تُعد كتابة فصول رسالة الدكتوراه عملية علمية منهجية تهدف إلى تحويل المشروع البحثي من تصور نظري إلى إنتاج معرفي متكامل. ولا يُنظر إلى الفصول بوصفها أجزاء منفصلة، بل كبنية مترابطة تعكس تطور الفكرة البحثية من الإشكالية إلى النتائج والتفسير، ضمن إطار علمي قابل للتحكيم والتقويم، ويتضمن كتابتها الآتي:
1- الفصل التمهيدي وبناء السياق البحثي
يُخصص هذا الفصل لتأسيس السياق العام للرسالة، من خلال عرض الخلفية العلمية للمشكلة، وتحديد الإشكالية بدقة، وصياغة أهداف البحث وتساؤلاته أو فروضه. ويُراعى في هذا الفصل الانتقال المنطقي من العام إلى الخاص، مع إبراز مبررات الدراسة وأهميتها العلمية والتطبيقية، بما يهيئ القارئ لفهم المسار البحثي اللاحق.
2- فصل الإطار النظري والدراسات السابقة
يُبنى هذا الفصل على تحليل نقدي معمّق للأدبيات العلمية المرتبطة بموضوع الرسالة، لا على عرض وصفي تجميعي. ويهدف إلى تأطير المفاهيم الرئيسة، وتوضيح النماذج والنظريات ذات الصلة، والكشف عن الفجوة البحثية التي تنطلق منها الدراسة. ويُعد هذا الفصل أساسًا معرفيًا لتبرير اختيار المنهج وتفسير النتائج لاحقًا.
3- فصل المنهجية وتصميم البحث
يتناول هذا الفصل الأسس المنهجية للدراسة، من حيث نوع المنهج، وتصميم البحث، ومجتمع الدراسة وعينتها، وأدوات جمع البيانات، وإجراءات التطبيق، وأساليب التحليل. ويُشترط فيه الوضوح والدقة والتبرير العلمي لكل اختيار منهجي، بما يضمن قابلية الدراسة للفحص والتكرار، ويعكس وعي الباحث بالمعايير البحثية المعتمدة.
4- فصل عرض النتائج
يُخصص هذا الفصل لتقديم نتائج التحليل بصورة منظمة وموضوعية، دون تفسير موسّع أو أحكام مسبقة. ويُراعى فيه الاتساق مع أسئلة البحث أو فروضه، والالتزام بالمنطق الإحصائي أو التحليلي المعتمد، مع تقديم النتائج بلغة علمية دقيقة تُبرز العلاقات والأنماط الرئيسة دون الخروج إلى التأويل.
5- فصل مناقشة النتائج
يُعد هذا الفصل من أكثر الفصول عمقًا، إذ ينتقل فيه الباحث من العرض إلى التفسير والتحليل. وتُناقش النتائج في ضوء الإطار النظري والدراسات السابقة، مع بيان أوجه الاتفاق والاختلاف، وتفسير الدلالات العلمية والمنهجية للنتائج. ويُتوقع في هذا الفصل إبراز قدرة الباحث على التفكير النقدي وربط النتائج بالسياق المعرفي الأوسع.
6- فصل الخاتمة والتوصيات
تتضمن الخاتمة تلخيصًا تحليليًا لمخرجات الرسالة، مع إبراز الإسهام العلمي للدراسة وحدودها المنهجية. وتُقدَّم التوصيات بناءً على النتائج لا بصورة إنشائية، مع اقتراح مسارات بحثية مستقبلية تُسهم في تطوير المجال العلمي المدروس.
يعد الالتزام بهذا البناء مؤشرًا على نضج الباحث المنهجي، وقدرته على إنتاج معرفة منظمة ومترابطة، تستوفي متطلبات التحكيم الأكاديمي وتُسهم بفاعلية في تطوير الحقل العلمي.