تخضع برامج الدكتوراه في الجامعات السعودية إلى إطار أكاديمي صارم يهدف إلى إعداد باحث قادر على إنتاج معرفة أصيلة، والإسهام في تطوير الحقول العلمية وفق معايير جودة وطنية ودولية. وتتميز هيكلة البرامج بالجمع بين المقررات التأسيسية، والتأهيل المنهجي، والتفرغ البحثي المنظم، وصولًا إلى الأطروحة التي تشكّل جوهر مرحلة الدكتوراه، وذلك وفق الخطوات التالية:
1- المسار التأسيسي والمقررات المتقدمة
تبدأ برامج الدكتوراه بمجموعة من المقررات المتقدمة التي تُسهم في تعميق المعرفة النظرية والمنهجية في تخصص الطالب. وتركّز الجامعات السعودية على أن تكون هذه المقررات مرتبطة مباشرة بمخرجات البحث المستهدف، وتشمل موضوعات في المنهجيات الحديثة، والمهارات البحثية، والقراءات العلمية المتخصصة، بما يضمن استعدادًا علميًا متينًا قبل الشروع في البحث.
2- امتحان التأهيل أو الاختبار الشامل
يُعدّ هذا الامتحان مرحلة محورية في هيكلة البرامج، إذ يختبر قدرة الطالب على استيعاب المفاهيم العميقة في تخصصه، واستحضارها لتحليل القضايا المعقدة. ويهدف إلى التأكد من أهلية الطالب للانتقال إلى المرحلة البحثية، ويغطي عادة الجوانب النظرية والمنهجية الأساسية في الحقل العلمي.
3- إعداد خطة البحث واعتمادها
تُلزم الجامعات الطالب بتقديم خطة بحث مفصلة توضح مشكلة الدراسة، وأهميتها، وأسئلتها، وإطارها النظري، ومنهجها، وجدولها الزمني. وتُناقش الخطة أمام لجنة علمية متخصصة تتأكد من أصالة الموضوع، وإمكان تنفيذه، وارتباطه بأهداف البرنامج والاتجاهات البحثية الحديثة. ويُعد اعتماد الخطة نقطة التحول الأساسية من الدراسة إلى الإنتاج العلمي.
4- مرحلة البحث وجمع البيانات
بعد إقرار الخطة، يبدأ الطالب مرحلة البحث الفعلي التي تشكل الجزء الأكبر من تجربة الدكتوراه. وتشترط الجامعات السعودية منهجية صارمة في جمع البيانات، واحترام المعايير الأخلاقية، واستخدام أدوات تحليلية معتمدة. وتُراقب اللجان الأكاديمية هذه المرحلة لضمان التزام الطالب بالمعايير العلمية في كل خطوة.
5- الإشراف الأكاديمي المتخصص
تتضمن هيكلة البرامج نظام إشراف دقيق يعتمد على لقاءات منتظمة بين الطالب والمشرف، ومتابعة تطورات البحث، وتقديم التوجيه العلمي. وتُلزم الجامعات بتوثيق التقارير الدورية للإشراف لضمان جودة المتابعة وفعالية التقدم في كتابة الأطروحة.
6- إعداد الرسالة العلمية ومراجعتها
تُعد الأطروحة المرحلة الحاسمة في برنامج الدكتوراه، ويُشترط فيها الأصالة، والسلامة المنهجية، والجدة العلمية. وتُراجع الرسالة من قبل لجان تحكيم داخلية وخارجية لضمان الالتزام بالمعايير الدولية في الكتابة والتحليل والتوثيق. ويخضع الطالب بعد ذلك للمناقشة العلنية التي تُقيّم قدرته على الدفاع عن إنتاجه العلمي.
7- متطلبات النشر العلمي
تتجه معظم الجامعات السعودية إلى اشتراط نشر بحث أو أكثر في مجلات محكمة ضمن قواعد بيانات عالمية مثل Scopus أو Web of Science. ويهدف هذا الشرط إلى تعزيز ثقافة البحث الرصين، ورفع جودة الإنتاج العلمي قبل التخرج.
تقوم هيكلة برامج الدكتوراه في السعودية على مسار علمي متدرج يبدأ بالمعرفة النظرية وينتهي بإنتاج علمي أصيل، وتجمع بين الدراسة المتقدمة، والتأهيل، والتخطيط، والبحث الميداني، والتحكيم العلمي.