يُعد برنامج NVivo أداة متقدمة لتحليل البيانات النوعية، لأنه يسمح للباحث بإدارة كمّ كبير من النصوص والمقابلات والملاحظات وتحويلها إلى بنية تحليلية منظمة قائمة على الترميز والفئات والموضوعات. ويقوم الاستخدام الفعّال للبرنامج على مجموعة من الخطوات وهي:
1- إنشاء مشروع جديد وضبط هيكل العمل
تبدأ الخطوات بفتح NVivo وإنشاء مشروع جديد يحمل اسم الدراسة أو موضوعها، مع إدخال وصف موجز لأهداف البحث ومصادر البيانات. ويتيح البرنامج إعداد هيكل أولي يتضمن مجلدات للنصوص والمقابلات والمذكرات البحثية، مما يساعد على تنظيم المواد منذ البداية. ويُفضّل أن يعكس هذا الهيكل التصميم المنهجي للدراسة حتى يكون الانتقال من البيانات الخام إلى التحليل أكثر سلاسة.
2- استيراد البيانات النوعية وتنظيمها داخل المشروع
بعد إنشاء المشروع، يقوم الباحث باستيراد ملفات المقابلات المفرَّغة، والملاحظات الميدانية، والوثائق، وربما ملفات الصوت أو الفيديو عند الحاجة. ويتيح NVivo ربط كل ملف بمعلومات وصفية مثل تاريخ الجمع، ورمز المشارك، ونوع الأداة. ويسهم هذا التنظيم في تسهيل تتبع المصدر أثناء التحليل، كما يسمح بالتمييز بين مجموعات المشاركين أو مراحل جمع البيانات.
3- بدء الترميز الأولي للنصوص
يبدأ التحليل العملي بقراءة النصوص داخل واجهة NVivo وتحديد العبارات أو الفقرات ذات الصلة بأسئلة البحث، ثم تحويلها إلى “عُقد” ترميزية تعبّر عن فكرة أو معنى محدد. ويُعد هذا الترميز الأولي مرحلة استكشافية، يركّز فيها الباحث على التقاط أكبر قدر من المعاني دون الانشغال المبكر بترتيب الفئات النهائية. وتمكّن هذه الخطوة من تحويل النصوص الطويلة إلى وحدات تحليلية أصغر قابلة للمراجعة والمقارنة.
4- تجميع الرموز في فئات وموضوعات رئيسة
مع تقدّم التحليل، يعيد الباحث النظر في “العُقد” التي أنشأها، فيدمج المتشابه منها، ويعيد تسمية بعضها، ويضعها تحت فئات أوسع تمثل موضوعات رئيسة للبحث. ويسمح NVivo ببناء هرمية واضحة للعُقد، بحيث تتحول الرموز الأولى إلى فروع تحت عناوين أكبر، ما يساعد على الانتقال من الوصف التفصيلي إلى التفسير المفاهيمي. وتُعد هذه المرحلة جوهرية في تحويل البيانات من مستوى التجزئة إلى مستوى البناء النظري.
5- استخدام الاستعلامات لاكتشاف الأنماط والعلاقات
يدعم NVivo إجراء استعلامات بحثية داخلية، مثل البحث عن تكرار كلمات معينة، أو تتبع ارتباط رمز محدد بفئة من المشاركين، أو مقارنة أنماط الترميز بين مجموعات مختلفة. ويسمح هذا التحليل المتقدم باكتشاف العلاقات الخفية بين الموضوعات، وتعزيز قوة الاستنتاجات. ويستفيد الباحث من هذه الاستعلامات في اختبار الملاحظات الأولية وتدعيمها بالأدلة النصية المُرمّزة.
6- توثيق الخطوات التحليلية بالمذكرات والروابط
خلال العمل، يدوّن الباحث مذكرات تحليلية داخل NVivo يعلّق فيها على ما يلاحظه من أنماط جديدة أو تساؤلات منهجية. ويمكن ربط هذه المذكرات بعُقد محددة أو بنصوص بعينها، مما يخلق أثرًا واضحًا لتطور التفكير التحليلي. ويساعد هذا التوثيق في العودة لاحقًا إلى مسار اتخاذ القرار التحليلي عند كتابة منهجية الدراسة ومناقشة النتائج.
7- استخراج المخرجات واستخدامها في كتابة النتائج
في المراحل النهائية، يستخدم الباحث إمكانات البرنامج في توليد جداول وملخصات للعُقد، أو عرض مقاطع نصية مرتبة تحت كل موضوع، أو تصدير مخططات توضح العلاقات بين الفئات. وتُستخدم هذه المخرجات في صياغة فصل النتائج والمناقشة، حيث يُعاد تقديمها في قالب سردي تحليلي يربط بين ما كشفه NVivo وبين الإطار النظري وأسئلة البحث. ويسهم هذا الربط في تحويل التحليل البرامجي إلى معرفة علمية مكتوبة متماسكة.
يتضح أن استخدام NVivo في تحليل البيانات النوعية يقوم على مسار يضم خطوات منهجية، ومع الالتزام بهذا المسار المنهجي، يصبح NVivo أداة قوية تُسهِّل إدارة النصوص المعقدة وتدعم الباحث في بناء تحليل نوعي متين وقابل للتتبع العلمي.