يمثل اختيار الاختبار الإحصائي خطوة منهجية محورية في التحليل الكمي، إذ يحدد هذا القرار دقة النتائج وصلاحية الاستنتاجات. ويعتمد الاختيار على سلسلة اعتبارات بحثية، ويضمن الالتزام بها انسجام التحليل مع منهجية البحث ومتطلبات التفسير العلمي، وتتمثل هذه الاعتبارات فيما يلي:
1- طبيعة المتغيرات ومستوى القياس
يبدأ الباحث بتحديد نوع المتغيرات ما إذا كانت على مقياس اسمي، أو رتبي، أو فاصل، أو نسبي. فالمتغيرات الاسمية والرتبية تتطلب اختبارات غير بارامترية، بينما تحتاج المتغيرات الفاصلية والنسبية غالبًا إلى اختبارات بارامترية. ويساعد هذا الأساس في استبعاد الاختبارات غير الملائمة منذ البداية.
2- شكل توزيع البيانات ودرجة انحرافها
يفحص الباحث طبيعة توزيع البيانات من خلال اختبارات مثل شابيرو–ويلك أو الرسوم البيانية. فإذا اتضح أن البيانات تتبع التوزيع الطبيعي يمكن استخدام الاختبارات البارامترية، أما إذا كانت منحرفة أو ذات تباين غير متجانس فالاختبارات غير البارامترية تصبح الخيار الأكثر دقة.
3- عدد المجموعات وطبيعة المقارنة
يعتمد الاختيار أيضًا على عدد المجموعات التي يرغب الباحث في مقارنتها. فالمقارنة بين مجموعتين مستقلتين تتطلب اختبار ت أو مان–ويتني، بينما المقارنة بين ثلاث مجموعات أو أكثر تحتاج إلى تحليل التباين أو اختبار كروسكال–واليس. وعند وجود قياسات مكررة للمجموعة نفسها يمكن استخدام تحليل التباين للقياسات المتكررة أو اختبار فريدمان.
4- وجود علاقة أم فرق بين المتغيرات
يقرر الباحث ما إذا كان هدفه اختبار الفرق بين مجموعات أو فحص العلاقة بين متغيرات. ففي حال دراسة الفروق تُستخدم اختبارات ت أو تحليل التباين أو نظائرها غير البارامترية. أما عند فحص العلاقات، فقد يُستخدم معامل ارتباط بيرسون أو سبيرمان، أو نماذج الانحدار.
5- حجم العينة وقدرة الاختبار
يتطلب التحليل الإحصائي عينة كافية لضمان قوة الاختبار. فالاختبارات البارامترية تحتاج غالبًا إلى عينات أكبر، بينما يمكن للاختبارات غير البارامترية التعامل مع عينات صغيرة دون فقدان موثوقية كبيرة. ويساعد تحليل القدرة الإحصائية في تحديد حجم العينة الضروري قبل الاختبار.
6- طبيعة تصميم البحث وشروطه
يرتبط نوع الاختبار بتصميم الدراسة؛ فإذا كان التصميم تجريبيًا مع مجموعات متكافئة تُستخدم اختبارات الفروق التقليدية، بينما تتطلب التصاميم الطولية أو المتداخلة اختبارات متقدمة تتناسب مع بنية البيانات.
7- وضوح الفرضيات وصياغتها
يُعد الهدف من الفرضية المحدد بوضوح العامل الحاسم في اختيار الاختبار. فإذا كانت الفرضية تبحث عن فرق متوسطات، أو ارتباط، أو أثر متغير على آخر، فلكل منها اختبار مناسب يمثل الترجمة الإحصائية الدقيقة لأسئلة الدراسة.
يعتمد اختيار الاختبار الإحصائي على فهم دقيق لنوعية المتغيرات، وشكل البيانات، وعدد المجموعات، وطبيعة الفرضية. ويتيح هذا الاختيار المدروس بناء تحليل متسق مع منهجية البحث، بما يعزز صدق النتائج وموثوقية التفسير العلمي.