تمثّل الرسالة العلمية في دكتوراه الفلسفة في علم النفس الإرشادي ذروة التكوين الأكاديمي والبحثي، إذ تعكس قدرة الدارس على إنتاج معرفة أصيلة تجمع بين العمق النظري والدقة المنهجية والوعي المهني. وتقوم عملية إعداد الرسالة على مسار منهجي متدرّج يضمن جودة البناء العلمي، ويُخضع البحث لمعايير الصرامة الأكاديمية المعتمدة في التخصص، وتشمل خطوات إعداد الرسالة العلمية ما يلي:
1- بلورة مشكلة البحث وصياغة الإطار الإشكالي
تبدأ الرسالة بتحديد مشكلة بحثية دقيقة تنبع من فجوة حقيقية في الأدبيات الإرشادية. ويُشترط أن تُصاغ المشكلة ضمن سياق نظري واضح، يبرز أهميتها العلمية والتطبيقية، ويحدد حدودها المفاهيمية والمنهجية بدقة.
2- بناء الإطار النظري والمراجعة النقدية للأدبيات
ينتقل الباحث إلى تحليل الدراسات السابقة تحليلًا نقديًا لا وصفيًا، بهدف بناء إطار نظري يوضح موقع البحث ضمن الحقل العلمي. وتُستخدم هذه المراجعة لتبرير متغيرات الدراسة، وصياغة الفرضيات أو الأسئلة البحثية بصورة منهجية.
3- اختيار المنهجية وتصميم الدراسة
تُعد هذه الخطوة من أكثر المراحل حساسية، إذ تتطلب مواءمة دقيقة بين طبيعة المشكلة والمنهج المختار. ويشمل التصميم تحديد نوع المنهج، والعينة، والأدوات، وإجراءات التطبيق، مع مراعاة المعايير الأخلاقية والضبط العلمي.
4- بناء أدوات القياس والتحقق من خصائصها السيكومترية
إذا تطلّب البحث أدوات جديدة أو معدّلة، يعمل الباحث على بنائها وفق أسس علمية، ثم التحقق من صدقها وثباتها. وتمثّل هذه الخطوة ضمانًا لموثوقية النتائج وقابليتها للتفسير العلمي السليم.
5- جمع البيانات وتحليلها تحليلًا علميًا متقدمًا
يُنفَّذ جمع البيانات وفق الإجراءات المعتمدة، ثم تُحلّل باستخدام أساليب كمية أو نوعية مناسبة. ويُشترط في هذه المرحلة الدقة في التحليل، والقدرة على تفسير النتائج في ضوء المنهج المستخدم دون تجاوز حدود البيانات.
6- مناقشة النتائج وربطها بالسياق النظري والإرشادي
تُعد المناقشة مرحلة تحليلية تفسيرية، يُقارن فيها الباحث نتائجه بالأدبيات السابقة، ويشرح أوجه الاتفاق والاختلاف، مع تقديم تفسيرات علمية تستند إلى الإطار النظري. ويُبرز الباحث هنا الإسهام العلمي للرسالة وحدودها المنهجية.
7- استخلاص الاستنتاجات والتوصيات البحثية والتطبيقية
يُختتم العمل باستخلاص استنتاجات مترابطة مع أهداف الدراسة، ثم تقديم توصيات عملية تخدم الميدان الإرشادي، وأخرى بحثية تفتح آفاقًا لدراسات مستقبلية. ويُشترط أن تكون هذه التوصيات منبثقة مباشرة من النتائج.
8- المراجعة النهائية والاستعداد للمناقشة
تخضع الرسالة لمراجعة لغوية ومنهجية دقيقة، للتأكد من الاتساق الداخلي، وسلامة التوثيق، والالتزام بالمعايير الأكاديمية. ثم يستعد الباحث للمناقشة العلنية بوصفها مرحلة تقييم علمي لقدراته البحثية.
يتضح أن إعداد رسالة دكتوراه الفلسفة في علم النفس الإرشادي عملية منهجية متكاملة، وتكمن قيمة هذه الخطوات في أنها لا تبني بحثًا فحسب، بل تُشكّل باحثًا يمتلك التفكير التحليلي، والاستقلال العلمي، والمسؤولية الأكاديمية.