يمثل اختيار نوعية البيانات خطوة حاسمة في بناء التصميم المنهجي للبحث، ويستند الباحث في هذا الاختيار إلى معايير علمية تتعلق بطبيعة المشكلة البحثية، والإطار النظري، ونوعية الأسئلة المطروحة، ومدى الحاجة إلى القياس أو الفهم العميق للظاهرة، ويتم ذلك من خلال اعتماد الباحث على النقاط التالية:
1- طبيعة أسئلة البحث واتجاهها المعرفي
ينطلق الباحث من تحليل أسئلته البحثية، فإذا كانت تسعى إلى قياس العلاقات، أو اختبار الفروق، أو التنبؤ بالسلوك؛ فإن البيانات الكمية تكون الأنسب. أما إذا كانت الأسئلة تستهدف فهم التجارب، أو تفسير المعاني، أو الكشف عن الدلالات الاجتماعية والثقافية؛ فالبيانات النوعية تصبح الخيار الأكثر ملاءمة.
2- خصائص الظاهرة المدروسة والسياق الاجتماعي
يأخذ الباحث بعين الاعتبار طبيعة الظاهرة نفسها، فبعض الظواهر قابلة للقياس المباشر مثل الاتجاهات والمستويات والدرجات، مما يستدعي بيانات كمية. بينما توجد ظواهر ذات طابع معقد أو عميق كالتجارب الشعورية أو الممارسات الثقافية، وهذه تتطلب بيانات نوعية قادرة على التقاط التفاصيل والسياقات الدقيقة.
3- مدى توافر أدوات ملائمة لجمع البيانات
يعتمد الاختيار أيضًا على الأدوات المتاحة، فالدراسات التي تحتاج إلى استبيانات معيارية أو مقاييس إحصائية تتطلب بيانات كمية، في حين أن الدراسات التي تعتمد على المقابلات المفتوحة أو الملاحظات الميدانية تتطلب بيانات نوعية. وتظهر أهمية هذا المعيار عندما تكون الأدوات عالية الجودة شرطًا لضمان صدق النتائج.
4- توجه الإطار النظري ومنهجية الدراسة
يرتبط نوع البيانات بالإطار النظري الذي يستند إليه الباحث، فالنظريات السلوكية والاتجاهات التجريبية تميل إلى البيانات الكمية، بينما النظريات البنائية والتأويلية تعتمد على البيانات النوعية. ويساعد هذا الارتباط على تحقيق انسجام منهجي بين الأسئلة والأدوات والتحليل.
5- مستوى العمق المطلوب في تفسير الظاهرة
يحدد الباحث مدى حاجته إلى تفسير سلوك الظاهرة بعمق أو قياسها بدقة. فإذا كان الهدف تقديم تفسير شامل لكيفية حدوث الظاهرة أو سببها، فالبيانات النوعية أكثر قدرة على تلبية هذا الهدف. أما إذا كانت الدراسة تتطلب تحديد أثر متغير على آخر، فهنا تبرز قوة البيانات الكمية.
6- الإمكانات الزمنية واللوجستية للبحث
يدرس الباحث قدرته على إدارة البحث عمليًا، لأن البيانات النوعية عادة تتطلب وقتًا أطول في جمعها وتحليلها، بينما البيانات الكمية تكون أسرع في جمعها عبر الاستبيانات الرقمية أو المقاييس الجاهزة. ويساعد هذا الاعتبار في ضمان إنجاز البحث ضمن الوقت المتاح.
7- الجمع بين النوعين في حال الحاجة إلى تكامل البيانات
قد يختار الباحث استخدام منهج مختلط يجمع بين البيانات الكمية والنوعية عندما تتطلب الدراسة تأكيد النتائج رقمياً وتفسيرها سياقيًا. ويتيح هذا التكامل بناء صورة أكثر شمولية للظاهرة، خاصة في المجالات التربوية والاجتماعية والصحية.
يعتمد اختيار نوعية البيانات على تحليل منهجي لأسئلة البحث وخصائص الظاهرة والإطار النظري، إلى جانب الاعتبارات العملية في جمع البيانات وتحليلها. ويسهم هذا الاختيار الواعي في ضمان الاتساق المنهجي للبحث، وتعزيز دقة نتائجه وقيمته العلمية.