تُعدّ التوصيات في البحث العلمي انعكاسًا مباشرًا لفهم الباحث لنتائج دراسته وقدرته على ترجمتها إلى قرارات أو تطبيقات واقعية. وصياغتها لا تتم عشوائيًا، بل تخضع لمنهج أكاديمي دقيق يضمن الوضوح، والموضوعية، والاتساق مع أهداف البحث ونتائجه. وفيما يلي أهم الخطوات العلمية التي يجب اتباعها لصياغة توصيات بحثية قوية ومقنعة:
1- مراجعة النتائج الرئيسة بعناية قبل كتابة التوصيات
الخطوة الأولى هي تحليل النتائج النهائية للبحث تحليلًا نقديًا لتحديد الجوانب التي تستحق التوصية بشأنها. يجب أن تكون كل توصية مبنية على نتيجة مثبتة وليس على رأي شخصي أو توقع.
2- تحديد نوع التوصيات (تطبيقية – منهجية – بحثية)
قبل الكتابة، حدّد ما إذا كانت توصياتك:
- تطبيقية: تُوجَّه للمؤسسات أو صُنّاع القرار.
- منهجية: تُعنى بتحسين أدوات أو أساليب البحث.
- بحثية مستقبلية: تقترح دراسات جديدة لاستكمال الموضوع.
هذا التصنيف يساعد على تنظيم الفصل الأخير ويجعل توصياتك أكثر وضوحًا للقارئ.
3- صياغة التوصيات بلغة علمية دقيقة ومباشرة
تُكتب التوصيات بصياغة موجزة وواضحة تعكس احترام الباحث للقارئ الأكاديمي. لذلك ابتعد عن العبارات العامة مثل: “يجب الاهتمام بالتعليم” أو “ينبغي تطوير المناهج”. واستخدم بدلًا منها لغة محددة مثل:
“توصي الدراسة بدمج وحدات تدريب رقمية ضمن برامج إعداد المعلمين لتعزيز مهارات التعليم الإلكتروني.”
4- ربط كل توصية بنتيجتها المحددة في البحث
يجب أن تُربط كل توصية مباشرة بالنتيجة التي بنيت عليها، بحيث يمكن للقارئ تتبّع العلاقة بينهما بسهولة. مثلاً:
“نظرًا لنتائج التحليل التي أظهرت ضعف مهارات التفكير النقدي لدى طلاب المرحلة الثانوية، توصي الدراسة بتبني استراتيجيات تدريس تعتمد على حل المشكلات.”
5- ترتيب التوصيات بحسب أولويتها وأهميتها التطبيقية
يُستحسن أن تُرتّب التوصيات من الأكثر أهمية وتأثيرًا إلى الأقل. فابدأ بالتوصيات ذات الطابع العملي الواسع، ثم انتقل إلى تلك الموجهة للباحثين أو الجهات المتخصصة.
6- استخدام أسلوب واقعي غير إلزامي في الصياغة
تجنّب استخدام الألفاظ الآمرة أو التقريرية مثل “يجب” أو “من الضروري” دون مبرر، واستبدلها بأسلوب علمي واقعي مثل:
“توصي الدراسة بـ...” أو “يُستحسن أن تقوم الجهات التعليمية بـ...”، فالأسلوب الأكاديمي المتزن يُظهر احترام الباحث للجهات المخاطَبة ويعكس موضوعيته.
7- تجنّب التكرار والعمومية في طرح التوصيات
يُخطئ بعض الباحثين حين يكرّر توصيات متشابهة بصيغ مختلفة، أو يكتب توصيات عامة لا علاقة لها بالنتائج. التوصية الناجحة تضيف قيمة جديدة وتقدّم خطوة عملية محددة. لذلك، يُفضّل ألا تتجاوز التوصيات عددًا معقولًا (5–8 توصيات مركّزة) حتى لا يفقد القارئ التركيز.
8- تخصيص قسم مستقل للمقترحات البحثية المستقبلية
في نهاية التوصيات، يُخصَّص قسم للمقترحات البحثية التي يمكن أن تُكمل العمل الحالي. مثل:
“تقترح الدراسة إجراء بحوث مستقبلية على عينات مختلفة لقياس أثر استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير مهارات المعلمين.”
9- توجيه التوصيات إلى الفئات المعنية بشكل واضح
ينبغي تحديد الجهة التي تُوجَّه إليها كل توصية مثل صُنّاع القرار، المعلمين، الباحثين، أو المؤسسات التعليمية. يساعد ذلك على تحقيق الأثر العملي للتوصيات بدل أن تبقى مجرد نصوص أكاديمية.
ومن خلال اتباع هذه الخطوات، تتحوّل التوصيات من مجرد ملحق في نهاية البحث إلى جزء استراتيجي يعكس نضج الباحث العلمي وقدرته على تحويل المعرفة إلى فعل.