تُعتبر الترجمة البشرية للأوراق العلمية من أكثر أنواع الترجمة حساسية ودقة، لأنها تتعامل مع نصوص معرفية عالية التخصص، ورغم تفوق الترجمة البشرية على الترجمة الآلية، إلا أن بعض الأخطاء الشائعة ما زالت تُضعف جودتها وتقلل من قيمتها الأكاديمية. من أبرز هذه الأخطاء ما يلي:
1- غياب الفهم الكامل للنص الأصلي
من أكثر الأخطاء شيوعًا أن يبدأ المترجم بالترجمة دون قراءة النص كاملًا أو فهمه في سياقه المنهجي. فالنصوص العلمية غالبًا ما تحتوي على فرضيات ومفاهيم مترابطة لا يمكن إدراكها من خلال قراءة جزئية. فالمترجم الأكاديمي لا يُترجم كلمات، بل يفكّك الأفكار ويعيد تركيبها بمنطق لغوي جديد.
2- الترجمة الحرفية وفقدان المقصد البحثي
يلجأ بعض المترجمين إلى الترجمة الحرفية خوفًا من الإخلال بالنص الأصلي، لكنها في الواقع تُفقد النص روحه البحثية. إذ أن الترجمة الحرفية تُنتج تراكيب جامدة لا تعكس طبيعة اللغة الأكاديمية في اللغة المستهدفة.
3- سوء التعامل مع المصطلحات التخصصية
الخلط بين المصطلحات من أكثر الأخطاء خطورة في الترجمة العلمية. فالمصطلح الأكاديمي ليس مجرد كلمة، بل أداة مفهومية تمثل جزءًا من الإطار النظري للبحث. أي ترجمة غير دقيقة للمصطلح قد تُغيّر المعنى بالكامل.
4- الترجمة خارج السياق العلمي
بعض المترجمين يتعاملون مع النص العلمي كما لو كان نصًا أدبيًا أو إعلاميًا، فيُدخلون تحسينات لغوية أو استعارات غير مناسبة. هذا الأسلوب يضرّ بالدقة الأكاديمية ويُفقد النص حياده. فالأوراق العلمية تتطلب لغة موضوعية، رسمية، دقيقة خالية من التزيين الأسلوبي أو التفسير الشخصي.
5- إهمال التراكيب الأكاديمية الخاصة باللغة الهدف
لكل لغة أسلوبها الأكاديمي في بناء الجمل وربط الأفكار. من الأخطاء الشائعة نقل التراكيب من اللغة الأصلية كما هي، مما يؤدي إلى نص مترجم لغويًا لكنه غريب اصطلاحيًا عن اللغة المستهدفة. فالترجمة الأكاديمية تتطلب إعادة بناء النص بما يتوافق مع المعايير الأسلوبية والعلمية في لغة القارئ.
6- الخلط بين المصطلحات الإجرائية والنظرية
في كثير من الأبحاث، تتداخل المصطلحات التي تشير إلى الإجراءات (مثل “المنهج الوصفي”، “التحليل الإحصائي”) مع المفاهيم النظرية (مثل “النظرية البنائية” أو “النموذج المعرفي”). الخطأ في ترجمة أحدهما مكان الآخر يُغيّر طبيعة الدراسة بالكامل.
7- ضعف التناسق بين الأقسام البحثية
الترجمة غير المنسقة بين أقسام الورقة كالمقدمة والمنهج والنتائج تُحدث فجوات مفهومية تجعل النص يبدو متقطعًا أو غير مترابط. السبب عادة هو الترجمة المجزّأة دون قراءة النص ككل.
8- إغفال التوثيق العلمي والمراجع
يخطئ بعض المترجمين عند التعامل مع المراجع والاقتباسات، إما بترجمتها ترجمة حرفية غير دقيقة، أو بإغفال تنسيقها وفق النظام المعتمد. فالمراجع جزء من البنية الأكاديمية للنص، وأي خطأ فيها يُعد خطأً علميًا.
9- إهمال المراجعة النهائية والتدقيق اللغوي
قد يُنجز المترجم عملاً ممتازًا من حيث المعنى، لكن دون مراجعة لغوية دقيقة، فتظهر أخطاء نحوية أو علامات ترقيم غير متسقة. لذلك فالمراجعة النهائية ليست ترفًا، بل مرحلة علمية حاسمة تُكسب النص مصداقيته الأكاديمية.
إنّ الأخطاء في الترجمة البشرية للأوراق العلمية لا تنبع من ضعف لغوي فقط، بل من غياب الوعي المنهجي بالنص الأكاديمي. الترجمة هنا ليست عملية لغوية فحسب، بل ممارسة فكرية وعلمية تُعيد بناء المعنى بثقافة جديدة دون أن تُفقده جوهره الأصلي.