يمثّل المستويان الثاني والثالث في نموذج كيرك باتريك جوهر تقييم فاعلية البرامج التدريبية، إذ ينتقل التقييم فيهما من الانطباع إلى التحقق من الأثر المعرفي والسلوكي للتدريب. ويركّز المستوى الثاني على ما تعلّمه المتدرّب فعليًا، بينما يهتم المستوى الثالث بمدى انتقال هذا التعلّم إلى سلوك مهني قابل للملاحظة في بيئة العمل، ويشمل كل منهما على أدوات مخصصة على النحو التالي:
1- المستوى الثاني: التعلّم وقياس اكتساب المعرفة
يُعنى هذا المستوى بقياس مقدار التعلّم الذي حققه المتدرّب نتيجة البرنامج، سواء على مستوى المعرفة أو المهارات أو الاتجاهات. ويُعد هذا القياس مؤشرًا على فاعلية المحتوى وأساليب التدريب في تحقيق أهداف التعلم المحددة، ويشمل:
أدوات قياس التعلّم:
تُستخدم في هذا المستوى أدوات مثل الاختبارات القبلية والبعدية، والأنشطة التطبيقية، والمحاكاة، والتقييمات العملية. وتكمن أهمية هذه الأدوات في قدرتها على إظهار الفروق بين مستوى المتدرّب قبل التدريب وبعده بطريقة منهجية.
حدود مستوى التعلّم:
رغم أهميته، لا يضمن تحقّق التعلّم حدوث تغيير فعلي في الأداء الوظيفي. فقد يكتسب المتدرّب معرفة أو مهارة دون أن تتاح له الفرصة أو الدافعية لتطبيقها في الواقع العملي.
2- المستوى الثالث: السلوك وانتقال التعلّم إلى الممارسة
يركّز هذا المستوى على قياس مدى تطبيق المتدرّب لما تعلّمه في بيئة العمل بعد انتهاء التدريب. ويُعد هذا الانتقال السلوكي معيارًا حاسمًا للحكم على القيمة العملية للبرنامج التدريبي، ويشمل:
آليات قياس التغيير السلوكي:
يُقاس السلوك عبر الملاحظة المباشرة، وتقييم المشرفين، والمقابلات، وتحليل الأداء على مدى زمني لاحق للتدريب. ويُشترط في هذا القياس توفر وقت كافٍ يسمح بظهور التغيير واستقراره.
العوامل المؤثرة في التغيير السلوكي:
لا يتوقف نجاح هذا المستوى على جودة التدريب فقط، بل يتأثر ببيئة العمل، والدعم الإداري، والثقافة التنظيمية، وإتاحة الفرص للتطبيق. وقد تعيق هذه العوامل أو تعزّز انتقال التعلّم إلى سلوك فعلي.
3- التكامل بين التعلّم والسلوك
يشكّل المستوى الثاني قاعدة معرفية ضرورية للمستوى الثالث، إذ لا يمكن حدوث تغيير سلوكي دون تعلّم حقيقي. وفي المقابل، يمنح المستوى الثالث قيمة تطبيقية للتعلّم، ويحوّله من معرفة نظرية إلى ممارسة عملية.
يتضح أن المستويين الثاني والثالث في نموذج كيرك باتريك يشكّلان محور التقييم الحقيقي لفاعلية التدريب، ويبرز من خلالهما أن نجاح التدريب لا يُقاس بالمعرفة المكتسبة فقط، بل بقدرتها على إحداث تغيير سلوكي مستدام في بيئة العمل. لا تتردد في العرف على كيفية إعداد حقيبة تدريبية احترافية.