على الرغم من أن تحليل درجات الميل (Propensity Score Analysis) يُعد من أكثر الأساليب الإحصائية تطورًا في معالجة التحيّز في الدراسات غير التجريبية، فإنه لا يخلو من قيودٍ ومخاطر منهجية قد تؤثر في دقّة النتائج واستنتاجات الباحثين. فيما يلي أبرز هذه القيود والمخاطر عند استخدامه:
1- الاعتماد الكامل على المتغيرات المرصودة
أكبر قيود تحليل درجات الميل أنه يعتمد فقط على المتغيرات التي تم قياسها وإدخالها في النموذج. فإذا وُجدت متغيرات مؤثرة غير مرصودة، فإن الموازنة بين المجموعات تصبح ناقصة، وتظل النتائج عرضةً لتحيّزٍ غير محسوب. فالنموذج الإحصائي لا يمكنه تصحيح ما لم يُقَس أصلًا، ولهذا السبب يُقال إن Propensity Score لا “يخلق” العشوائية، بل يحاكيها بشروط محدودة.
2- خطر الإفراط في النمذجة
عند استخدام عدد كبير من المتغيرات في نموذج الميل خصوصًا في عينات صغيرة قد يتسبب الباحث دون قصد في فرط التخصيص للنموذج، أي أن النموذج يصبح حساسًا جدًا للبيانات الحالية ويفقد القدرة على التعميم.
هذا الخطأ يؤدي إلى مطابقة شكلية دون تحقيق موازنة حقيقية. فالمبدأ الأساس هو أن “النموذج الأبسط الأكثر تفسيرًا غالبًا ما يكون أدقّ من النموذج المعقد قليل الفائدة”.
3- المشكلات الناتجة عن المطابقة غير الكاملة
قد لا يجد بعض الأفراد في المجموعة التجريبية نظراء مناسبين لهم في المجموعة الضابطة من حيث درجات الميل، مما يؤدي إلى فقدان جزء من العينة. هذا النقص قد يغيّر خصائص العينة النهائية ويُقلل من القوة الإحصائية للتحليل. وتزداد المشكلة تعقيدًا عندما تكون العينة الأصلية صغيرة أو غير متجانسة في توزيع متغيراتها المشتركة.
4- الحساسية تجاه نموذج الميل المستخدم
نتائج تحليل درجات الميل تعتمد بشدة على دقة نموذج الميل. فأي خطأ في اختيار المتغيرات، أو في شكل العلاقة بينها، يؤدي إلى موازنة مضللة. لذلك الباحثون المتمرسون عادةً يختبرون عدة نماذج بديلة للميل (مثل Logit وProbit وMachine Learning Models) لمقارنة الاستقرار الإحصائي للنتائج، لكن هذا الخيار غير متاح دائمًا في العينات المحدودة.
5- التحيّز الناتج عن اختيار أسلوب الموازنة
التحليل قد يختلف جذريًا باختلاف أسلوب الموازنة المستخدم (المطابقة، الوزن، الطبقية، أو التكييف). كل طريقة تحمل مستوى مختلفًا من الدقة والانحياز، خصوصًا في الحالات التي لا تتقاطع فيها توزيعات الميل بين المجموعتين. واستخدام أسلوب موازنة غير ملائم قد يؤدي إلى نتائج غير مستقرة أو مبالغ فيها، حتى وإن كانت القيم الاحتمالية مقبولة.
6- فقدان التباين الطبيعي للبيانات
من المخاطر الإحصائية التي نادرًا ما يُشار إليها أن الموازنة المفرطة قد تؤدي إلى تسوية التباينات الحقيقية بين المجموعات. ففي سعي الباحث لتقليل الفروق إلى أدنى حد، قد يزيل جزئيًا الأثر الحقيقي للمتغير المستقل الذي يسعى إلى قياسه.
هذا الخطر يجعل من الضروري الموازنة بين تحقيق التوازن الإحصائي والحفاظ على الفروق الجوهرية ذات المعنى العلمي.
7- الاعتماد الزائد على المؤشرات الرقمية للتوازن
يُخطئ بعض الباحثين حين يفسرون نجاح الموازنة اعتمادًا فقط على مؤشرات رقمية مثل Standardized Mean Difference (SMD) دون النظر إلى السياق العلمي. فقد تُظهر الأرقام توازنًا ظاهريًا بينما تظل العلاقات السببية مشوّهة. لذا يجب الجمع بين التقييم الكمي (الإحصائي) والتقييم النوعي (المعرفي) لضمان موازنة حقيقية ذات معنى علمي.
8- قيود القابلية للتعميم
حتى بعد تحقيق التوازن المثالي، تبقى نتائج تحليل درجات الميل محدودة بالسياق الأصلي للعينة المدروسة. فهي تقدّر الأثر داخل “نطاق الدعم المشترك”، أي بين الأفراد الذين كان يمكن أن ينتموا لأي من المجموعتين. لذلك لا يمكن تعميم النتائج على فئات مختلفة جذريًا، مثل البيئات التعليمية أو الثقافية أو السكانية الأخرى، دون إعادة تطبيق التحليل وفق ظروف جديدة.
9- إغفال اختبار الحساسية والتأثيرات الخفية
من المخاطر المتقدمة إغفال إجراء تحليل الحساسية الذي يُظهر مدى قوة النتائج أمام المتغيرات غير المرصودة. في غياب هذا الاختبار، تبقى الاستنتاجات معرضة للشكّ، خاصة في الدراسات الاجتماعية التي يصعب فيها ضبط جميع المتغيرات المؤثرة.
هذا التحليل يُعدّ أداة أساسية لتقييم متانة النتائج بعد تطبيق Propensity Score.
10- التفسير المبالغ فيه للنتائج السببية
أحد الأخطاء الجوهرية هو اعتبار نتائج تحليل درجات الميل دليلاً قاطعًا على السببية. ففي الحقيقة، أن هذا التحليل يُقلل من التحيّز ولا يُلغيـه كليًا. إذ أن السببية الحقيقية تتطلب تصميمًا تجريبيًا أو بيانات طولية متكررة. لذلك، على الباحث أن يُقدّم نتائجه بعبارات دقيقة مثل “ارتباط مضبوط بالتحكم في المتغيرات المشتركة” بدلاً من “سببية مؤكدة”.
إنّ تحليل درجات الميل أداة قوية، لكنها تحمل مسؤولية علمية كبيرة. فنجاحها يعتمد على وعي الباحث بحدودها أكثر من اعتماده على قوتها الإحصائية. وإنّ إدراك القيود والمخاطر لا يقل أهمية عن فهم الخطوات التحليلية، لأن التحليل الإحصائي الرصين يبدأ من الوعي لا من الأرقام.