تُعد الافتراضات البحثية من الركائز المنهجية الأساسية في إعداد الدراسات العلمية، وتمثّل الافتراضات إطارًا ذهنيًا يساعد الباحث على تنظيم فكره وتوجيه خطواته البحثية. ويؤدي تحديد نوع الافتراض بدقة إلى زيادة وضوح المنهج البحثي ومصداقية النتائج، لأن كل نوع منها يعكس مستوى مختلفًا من الوعي النظري أو المنهجي الذي يتبنّاه الباحث، ومن أهم أنواع الافتراضات البحثية ما يلي:
1- الافتراضات الفلسفية:
تمثل الأساس الفكري الذي يُبنى عليه البحث، وتشمل نظرة الباحث إلى طبيعة الواقع والمعرفة والقيم. فهي تحدد ما إذا كان الباحث يتبنى المنهج الوضعي القائم على القياس الكمي، أو المنهج البنائي الذي يسعى إلى فهم المعاني والسياقات. وتُعد هذه الافتراضات خلفية نظرية تُوجّه اختيار المنهج وأدوات البحث.
2- الافتراضات النظرية:
تنطلق من الإطار النظري الذي يعتمد عليه البحث، إذ تُعبّر عن التصورات المسبقة للعلاقات بين المتغيرات وفقًا لنظرية معينة. فعلى سبيل المثال، قد يفترض الباحث أن “الدافعية تؤثر في التحصيل الأكاديمي”، وهو افتراض ينبع من نظرية تربط بين السلوك والتعلّم.
3- الافتراضات المنهجية:
تتعلق بافتراضات الباحث حول الطرق والإجراءات التي يستخدمها في جمع البيانات وتحليلها. وتشمل القناعة بأن أدوات القياس المختارة مناسبة، وأن العينة تمثل المجتمع الأصلي، وأن الإجراءات المنهجية كافية لاختبار الفرضيات.
4- الافتراضات الإحصائية:
تُعد جزءًا من التحليل الكمي، وتشمل افتراضات مثل التوزيع الطبيعي للبيانات، واستقلالية الملاحظات، وتجانس التباين. إن تجاهل هذه الافتراضات قد يؤدي إلى نتائج مضللة، ولذلك تُعد خطوة التحقق منها أساسية قبل تطبيق الاختبارات الإحصائية.
5- الافتراضات العملية:
ترتبط بظروف إجراء البحث، مثل توافر الوقت، أو تعاون المشاركين، أو إمكانية الوصول إلى البيانات. وغالبًا ما تُذكر هذه الافتراضات ضمن حدود الدراسة، لأنها تعكس العوامل الواقعية التي قد تؤثر في تنفيذ البحث أو تفسير نتائجه.
6- الافتراضات الأخلاقية:
تعكس التزام الباحث بالمبادئ الأخلاقية، مثل احترام خصوصية المشاركين، والحفاظ على السرية، وتجنّب التلاعب بالبيانات. هذه الافتراضات ليست تقنية فحسب، بل تعبّر عن موقف أخلاقي علمي يضمن نزاهة البحث ومصداقيته.
7- الافتراضات المفاهيمية:
تتعلق بكيفية فهم الباحث للمفاهيم الرئيسة في دراسته وتعريفها الإجرائي. فحين يدرس الباحث “التحفيز” أو “القيادة”، يفترض أن لهذه المفاهيم معنى محددًا في سياق بحثه، وهو ما يوجّه عملية القياس والتحليل والتفسير.
إن تحديد أنواع الافتراضات في البحث العلمي ليس إجراءً شكليًا، بل جزء جوهري من البناء المنهجي الذي يضمن وضوح الفكرة ودقة النتائج. فالافتراضات ليست قيودًا، بل إطارًا فكريًا ومنهجيًا يُوجّه الباحث نحو إنتاج معرفة علمية أكثر اتزانًا وعمقًا.