ونقاد المنهج الاجتماعي هنا ليسوا من ينتقدون المنهج الاجتماعي ويبرزون عيوبه، ولكنهم النقاد الاجتماعيين الذي قدموا اتجاهات عديدة للنقد الاجتماعي أو ما يعرف باسم نقاد الممنهج الاجتماعي، وكانوا منقسمين إلى اتجاهين وهما:
أولًا: الاتجاه الكمي:
يطلق عليه علم اجتماع الظواهر الأدبية، وهو تيار تجريبي يستفيد من التقنيات التحليلية في مناهج الدراسات الاجتماعية، مثل الإحصائيات والبيانات وتفسير الظواهر انطلاقاً من قاعدة يبنيها الدارس طبقاً لمناهج دقيقة ثم يستخلص منها المعلومات التي تهمه.
ويرى نقاد المنهج الاجتماعي المنحازون لهذا الاتجاه أن الأدب جزء من الحركة الثقافية، وأن تحليل الأدب يقتضي تجميع أكبر عدد البيانات الدقيقة عن الأعمال الأدبية، فعندما نعمد إلى دراسة رواية ما؛ فإننا ندرس الإنتاج الروائي في فترة محددة. وعلى ما سبق نستنتج الآتي؛
- يغفل هذا الاتجاه الطابع النوعي للأعمال الأدبية.
- تتساوى لديه الرواية العظيمة ذات القيمة الخالدة بالرواية الهابطة التي تعتمد على الإثارة.
- تُدرس من خلاله الأعمال الأدبية على أساس أنها ظواهر اجتماعية تُستخدم فيها لغة الأرقام من حيث عدد النسخ وعدد الطبعات ومجموع القراء وهل تحولت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي؟
- فيَحكم هذه الدراسات الأساس الكمي لا الكيفي؛ فلا تملك هذه المدرسة رؤيةً جمالية في الحكم على العمل الأدبي.
ثانيًا: المدرسة الجدلية:
نسبة إلى "هيجل" ثم ماركس من بعده ورأيهما في العلاقة بين البنى التحتية والبنى الفوقية في الإنتاج الأدبي والإنتاج الثقافي، وهذه العلاقة متبادلة ومتفاعلة مما يجعلها علاقة جدلية.، ومن رواد هذا الاتجاه:
1- جورج لوكاش:
- الذي برز كأحد نقاد المنهج الاجتماعي المنتميون لهذا الاتجاه عندما درس وحلل العلاقة بين الأدب والمجتمع بوصفه انعكاساً وتمثيلاً للحياة،
- قدَّم دراسات ربط فيها بين نشأة الجنس الأدبي وازدهاره، وبين طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية لمجتمع ما تسمى بـ “سوسيولوجيا الأجناس الأدبية".
- تناول فيها طبيعة ونشأة الرواية المقترنة بنشأة حركة الرأسمالية العالمية وصعود البرجوازية الغربية.
- ثم جاء بعده "لوسيان جولدمان" الذي ارتكز على مبادئ لوكاش وطوّرها حتى تبنى اتجاهاً يطلق عليه "علم اجتماع الإبداع الأدبي"، حاول فيه الاقتراب من الجانب الكيفي على عكس الاتجاه الكمي.
2- جولدمان:
اعتمد "جولدمان" على مجموعة من المبادئ العميقة والمتشابكة التي يمكن أن نوجزها في الآتي:
- يرى "جولدمان" أن الأدب ليس إنتاجاً فردياً، ولا يعامل باعتباره تعبيراً عن وجهة نظر شخصية، بل هو تعبير عن الوعي الطبقي للفئات والمجتمعات المختلفة.
- الأديب وفق رؤية جولدمان عندما يكتب فإنه يعبر عن وجهة نظر تتجسد فيها عمليات الوعي والضمير الجماعي، فجودة الأديب وإقبال القرَّاء على أدبه بسبب قوته في تجسيد المنظور الجماعي ووعيه الحقيقي بحاجات المجتمع.
- فيجد القارئ ذاته وأحلامه ووعيه بالأشياء، والعكس صحيح لمن يملكون وعياً مزيفاً.
- إنَّ الأعمال الأدبية تتميز بأبنية دلالية كلية، وهي ما يفهم من العمل الأدبي في إجماله، وهي تختلف من عملٍ لآخر، فعندما نقرأ عملاً ما فإننا ننمو إلى إقامة بنية دلالية كلية تتعدل باستمرار كلما عبرنا من جزء إلى آخر في العمل الإبداعي.
- إذا انتهينا من القراءة نكون قد كوَّنا بنية دلالية كلية تتكون من المقابل المفهومي والمقابل الفكري للوعي والضمير الاجتماعيين المتبلورين لدى الأديب.
اقرأ أيضًا المنهج الاستدلالي في البحث العلمي