أدوات الكشف عن الكتابة بالذكاء الاصطناعي بين الشك والمصداقية

في عصر الذكاء الاصطناعي المتسارع، أصبحت أدوات الكشف عن النصوص المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي جزءًا مهمًا من عالم المحتوى الرقمي. تستخدم هذه الأدوات خوارزميات معقدة لتحليل النصوص وتحديد ما إذا كانت قد كتبت بواسطة إنسان أو تم إنشاؤها بواسطة برمجيات الذكاء الاصطناعي. وأصبحت هذه الأدوات محل اهتمام عددٍ كبير من المؤسسات البحثية والجامعات للكشف عن المحتوى العلمي مثل البحوث والرسائل العلمية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في الكتابة، ورغم التطور الذي شهدته هذه الأدوات، إلا أن مصداقيتها لا تزال محط جدل واسع، فهل يمكن الاعتماد عليها فعلاً؟ وما هي التحديات التي تواجهها؟

ونظرًا لأهمية هذا الموضوع حرصنا في دراسة لخدمات البحث العلمي والترجمة على تناول هذه الجزئية من جانب علمي بحث عن طريق الاستعانة بمجموعة من الدراسات التي تناولت الكتابة الإبداعية وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي ورأي بعض الأساتذة المتخصصين في هذا المجال.

يعرف لاري تيسلر عالم الحاسوب الشهير الذكاء الاصطناعي في مُزحة أصبحت تعرف باسم نظرية تيسلر بأنه "كل ما لم يتم إنجازه بعد"، فبمجرد أن يحل الذكاء الاصطناعي مشكلة ما بنجاح، لم تعد المشكل جزءًا من الذكاء الاصطناعي، وهي ظاهر تعرف باسم تأثير الذكاء الاصطناعي.

برمجيات الكتابة بالذكاء الاصطناعي هي "نوع من البرامج أو التطبيقات التي تعمل بخوارزميات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وتستخدم في كتابة المحتوى بنفس أسلوب البشر"، ويمكن أن تساعد مثل هذه التقنيات الباحثين وطلاب الدراسات العليا في كتابة المقالات والبحوث العلمية حول موضوعات  مختلفة بدقة عالية.

من خلال الاطلاع على دراسة صفيناز محمود تحت عنوان "برمجيات صناعة المحتوى العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي" أكدت أن برمجيات الكتابة بالذكاء الاصطناعي تعتمد على تقنيتي معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، وتوليد اللغة الطبيعية (NLG)، في مساعدة الآلية على تعلم وفهم وتوليد ومعالجة اللغة البشرية، إذ تقوم البرمجيات في كتابة المحتوى بالذكاء الاصطناعي على النحو التالي:

1. القيام بإدخال المعلومات للتحليل والمعالجة وتقديم التوصيات أو إخراج محتوى ذات صلة.
2. يتم استخدام تقنيات توليد اللغة الطبيعية في تحديد وتمييز نوع المحتوى وتغيير أسلوب الكتابة عن طريقة مجموعة من الخوارزميات.
3. يتم تغذية الذكاء الاصطناعي بمجموعة واسعة من المحتوى المكتوب التي يقوم بدراستها الذكاء الاصطناعي، ويتعلم إعادة إنشائها بطريقة أسلوبية تشبه الطريقة البشرية.
4. عند الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في كتابة محتوى طويل يستخدم منشئو محتوى الذكاء الاصطناعي قاعدة بياناتهم المعرفية، ويتبعون أيضًا الأنماط التي وضعها الكتاب الذين يستخدمونها.
5. تجدر الإشارة إلى أن منشئي محتوى الذكاء الاصطناعي ليسوا مبتكرين للمحتوى، وإنما تم الاعتماد على البرمجيات لتدوير المحتوى المكتوب بالفعل وتعديل الكلمات بشكل أساس، واستخدام المرادفات ثم إعادة صياغة الجمل لتقليل نسب الاستلال.

السؤال هنا ما علاقة برمجيات كتابة المحتوى بالذكاء الاصطناعي ببرمجيات الكشف عن الكتابة بالذكاء الاصطناعي؟

في ضوء الفقرة السابقة وما أوضحته الباحثة صفيناز نجد أن هناك علاقة وطيدة بين الطرفين يمكن القول بأنها علاقة تكاملية، وذلك وفق ما تم توضيحه على النحو التالي:

العلاقة الأولى:

• العملية: يتم تغذية برمجيات الذكاء الاصطناعي بمعلومات وقواعد معرفة كبيرة، وهذا ما أوضحته تقنية GPT3 والتي تعني (Generative Pre-trained Transformes3)، وهي تقنية تم تطويرها من قبل مؤسسة Open AI، التي تحتوي ما يقرب من 570 جيجابايت من المعلومات النصية، تقوم هذه التقنية بفهم الكلمات وتوليد المحتوى بطريقة تحاكي طريقة البشر.
• النتيجة: بناء على هذه التغذية يصبح لدى برمجيات الذكاء الاصطناعي قاعدة بيانات ومعلومات ضخمة جدًا يمكنها الكتابة في أي موضوع ما، وهذا ما نستنتجه الآن من كيفية إنشاء مثل هذه البرمجيات للنصوص والمحتوى العلمي والأكاديمي.

العلاقة الثانية:

• العملية: نجد أيضًا أنه يتم إنشاء المحتوى الأكاديمي مدعمًا بالمراجع العلمية الموثقة وفق أساليب التوثيق المختلفة التي تسمح لمستخدمي الذكاء الاصطناعي الاختيار فيما بينها. وعلى الرغم من ذلك يمكن أن تكون هذه المراجع وهمية أو غير صحيحة مما يجعل هذه الأدوات تصدر معلومات خاطئة غير موثوقة.
• النتيجة: عند الكشف عن الكتابة بالذكاء الاصطناعي سيكون من الطبيعي بعد كل هذه الخطوات أن ينتج أن المحتوى المكشوف عنه مكتوب بالذكاء الاصطناعي بنسب مختلفة، وهذا ناتج عن العلاقة الأولى السابقة ذكرها، وهي تغذية برمجيات الذكاء الاصطناعي.

العلاقة الثالثة:

• العملية: بمجرد إدراج المحتوى على أدوات كشف الكتابة بالذكاء الاصطناعي يتم مطابقة وفحص المحتوى وتغذية برمجيات الذكاء الاصطناعي بالمعلومات مما يعطي تفسيرًا نسبيًا في نهاية الكشف بأن المعلومات والمحتوى مكتوب بالذكاء الاصطناعي. وما يثبت ذلك تقنيات ChatGPT 4 O المتطورة التي سمحت الآن إلى إدراج ملفات بصيغة PDF سواء بحوث علمية أو كتب مرجعية يرغب الباحث أو المستخدم في تلخيصها أو الكتابة منها أو البحث فيها، وذلك وفق آليات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي.
• النتيجة: إدخال معلومات وتغذية الذكاء الاصطناعي ومن ثم إخراج معلومات يستفيد منها الباحث أو المستخدم في دراسته أو في بحثه العلمي؛ ما يترتب عليه من أثر سلبي، وهو "جعل أي محتوى مكتوب سواء كان بحث أو مقال علمية تضمنت معلومات من هذه المراجع أو الكتب المدرجة مكتوب بالذكاء الاصطناعي"، هذا ما يعانيه الباحثون الآن من خلال أدوات الكشف عن الكتابة بالذكاء الاصطناعي.

هذه العلاقة تعد حجر الأساس لمقال اليوم وهو هل برامج فحص الكتابة بالذكاء الاصطناعي محل شك أو مصداقية، وللإجابة عن هذا السؤال يجب معرفة كيفية عملي أدوات كشف الكتابة بالذكاء الاصطناعي أولًا.

تعتمد أدوات الكشف عن الكتابة بالذكاء الاصطناعي على تقنيات تعلم الآلة لتحليل الأنماط اللغوية والنحوية للنصوص. إذ تقوم هذه الأدوات بمقارنة النصوص ببيانات ضخمة تم تدريبها مسبقًا، بهدف التعرف إلى الفروق الدقيقة بين النصوص البشرية والمكتوبة بواسطة نماذج الذكاء الاصطناعي. هذه الفروق تشمل مستوى التعقيد في الجمل، واستخدام المفردات، والتكرار، والخصائص الأسلوبية.

وبما أن الذكاء الاصطناعي في الأساس هو كما ذكرنا محاولة للكتابة بنفس أسلوب البشر، فمن الوارد أنه عند فحص الأعمال الأصيلة للباحثين نجد أن هناك نسب متفاوتة للكتابة بالذكاء الاصطناعي.

تعرف على مبادئ استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي

في عام 2009 تم حصولي على درجة الماجستير في الآثار الإسلامية تخصص تصوير إسلامي، وفي هذا الوقت لم يكن هناك تقنيات دارجة في الوسط الأكاديمي عن الكتابة بالذكاء الاصطناعي، وعند اقتباس نص قمت بكتابته في رسالة الماجستير، وهو على النحو التالي:

 "  تنوعت الموضوعات الفلكية في تصاوير المخطوطات العثمانية في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي ما بين تصاوير الأبراج والرسوم الفلكية وظواهرها، وجاءت تصاوير مخطوطة عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (123- م تاريخ تركي) موضحة للموضوعات الفلكية المختلفة، والتي اهتم بها علماء المسلمين."

قمت بفحصه على موقع ZeroGPT المعروف لدى عددٍ كبير من المؤسسات البحثية والباحثين ظهرت هذه النتيجة.

 

وتفسير هذه النتيجة الوحيد هو إثبات عملي على ما تم ذكره، وهو أن أي محتوى يتم كتابته يدويًا عند وضعه في أدوات كشف الكتابة بالذكاء الاصطناعي يعطي نتيجة غير دقيقة نهائيًا وبإمكانك تجربة النص في الموقع.

على الرغم من اعتماد بعض المؤسسات البحثية والجامعات على أدوات الكشف عن الكتابة بالذكاء الاصطناعي إلا أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه مصداقية هذه الأدوات وتتمثل في:

1. تتطور نماذج الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، حيث أصبحت قادرة على إنتاج نصوص مشابهة إلى حد كبير للنصوص البشرية.
2. في بعض الأحيان، قد يقوم الكاتب بدمج أجزاء مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي مع نصوص مكتوبة يدوياً. هذا النوع من النصوص المختلطة يصعب اكتشافه بواسطة أدوات الكشف، حيث يمكن أن تبدو الأجزاء البشرية والآلية متشابهة إلى حد كبير.
3. تعتمد دقة أدوات الكشف على جودة وتنوع البيانات التي تم تدريبها عليها. إذا كانت هذه البيانات محدودة أو منحازة، فإن النتائج قد تكون غير دقيقة.
4. يتمتع الكتاب البشر بأساليب متنوعة، وقد يحاول بعضهم كتابة نصوص بأشكال تتشابه مع أسلوب الذكاء الاصطناعي. في مثل هذه الحالات، يمكن لأدوات الكشف أن تعطي نتائج خاطئة، معتبرة أن النص كتبه ذكاء اصطناعي، مع أنه من تأليف إنسان.

رغم ما تم ذكره من تحديات وأساليب عمل لأدوات كشف الكتابة بالذكاء الاصطناعي،  فإن بعضها يتمتع بمصداقية جيدة في حالات محددة، خاصة عند التعامل مع نصوص مكتوبة بواسطة نماذج ذكاء اصطناعي متوسطة المستوى. ومع ذلك، فإن النتائج ليست دائمًا مضمونة، إذ يمكن أن تعتمد الأداة على افتراضات قد لا تكون دقيقة في كل الحالات.

من ناحية أخرى، يجب أن ندرك أن استخدام أدوات الكشف لا يعني التوصل إلى حكم نهائي حول أصالة النص. بدلاً من ذلك، يمكن أن تكون هذه الأدوات أداة مساعدة لجهات النشر والمؤسسات التعليمية في تقييم المحتوى، إلى جانب مراجعة النصوص بعناية بواسطة خبراء.

في النهاية يمكن القول بأن أدوات الكشف عن الكتابة بالذكاء الاصطناعي غير موثوقة، ولا تتمتع بمصداقية عالية على نحو محدود، فنتاج ما قمنا به من تجارب عملية وما قاله الباحثون حول هذه التقنيات يمكن القول بأن التحديات التي تواجه هذه الأدوات هي خير دليل على عدم مصداقيتها وتثير كثير من الجدل حولها ومزيد من الشكوك، ولكن على الجانب الآخر يجب أن يتحلى الباحثين بأخلاقيات البحث العلمي والأمانة العلمية في توثيق المراجع والدراسات التي تم الاستعانة بها في بحوثهم العلمية فهي خير دليل على مصداقية هذه البحوث وكفاءتها مقارنةً بما يقوم به الذكاء الاصطناعي في كتابة المحتوى العلمي.

1. أفضل أدوات مدقق انتحال 2024
2. دور الذكاء الاصطناعي في فحص نسبة الاستلال
3. الذكاء الاصطناعي في الكتابة الأكاديمية
4. أدوات الكتابة الأكاديمية وبرامج البحث

ماركي، ستيفن. (2023). كيف سيغير الذكاء الاصطناعي الأوساط الأكاديمية؟. مجلة فكر. (32)، 202- 203.

الرخ، صفيناز. (2023). برمجيات صناعة المحتوى العلمي باستخدام الذكاء الاصطناعي: دراسة استكشافية. المجلة الدولية لعلوم المكتبات والمعلومات، 10(1)، 291- 310.