إن الطبيعة الأيديولوجية للبحث النوعي ومن حيث تأثيرها على سياق البحث والمشاركين فيه ومن حيث الطريقة التي تبنى بها وقائعه تجعل كتابة هذا النوع من البحث أمراً حساساً للغابة، حتى بالنسبة للباحثين المتمكنين الذين يعرفون تقاليد الكتابة العلمية جيداً، لهذا تعرض البحث النوعي للعديد من الانتقادات من أنصار البحث الكمي، حيث توجه النقد تحديداً لعدد من المفاهيم التي يرى أنصار البحث الكمي أنها راسخة وأساسية في تقاليد البحث العلمي وتمثل نقاط قوة فيه، وفقدانها ينفي صفة العلمية وربما الجدية في العمل البحثي.
ومن أهم هذه المفاهيم (الصدق الداخلي، والصدق الخارجي، وإمكانية التعميم، والثبات والموضوعية)، ومن الضروري لمن أراد الاشتعال بالبحث النوعي الإلمام بمثل هذه الموضوعات وكيفية تجاوزها أو التعامل معها، لذلك هناك أربعة معايير رئيسية تساعد على تجاوز هذه المعايير وإثبات موثوقية البحث النوعي وهي كالتالي:
أولاً: المصداقية:
يستخدم مصطلح المصداقية مقابلاً لمصطلح الصدق الداخلي في البحث الكمي، والذي يعني أن يقيس الاختبار ما وضع لقياسه، ففي البحث النوعي يسعى الباحث إلى أن تتطابق نتائج دراسته مع الواقع، وهو من أهم العوامل لضمان موثوقية البحث ، ومن أجل تحقيق المصداقية يجب اتباع الآتي:
- استخدام طرائق بحث معروفة ومعتبرة.
- التعرف المبكر على ثقافة المشاركين.
- الاختبار العشوائي للمشاركين وهذا إذا لم تكن الدراسة تعتمد على العينة المقصودة.
- استخدام أكثر من طريقة لجمع المعلومات، واستهداف أكثر من مشارك أو مكان للدراسة.
- الحرص على أمانة المشاركين من خلال تشجيعهم على أن يكونوا صريحين فيما يقولون.
- طرح الأسئلة التي تكشف ما قد يكون لدى المشارك من كذب أو تناقض أو عدم دقة.
- تحليل الحالات الأمثلة السالبة، وهي الحالات التي تخالف النسق العام في بيانات البحث.
إن استخدام الباحث أكبر قدر من هذه الأساليب يمكن أن يضمن حداً مرضياً من المصداقية.
ثانياً: الانتقالية:
في البحث الكمي يطلق الصدق الخارجي على ما إذا كانت نتائج الدراسة يمكن أن تنطبق على حالة أخرى، ويسمي هذا بالتعميم، يقابل هذا في البحث النوعي بالانتقالية. فهدف من أهداف البحث في التوجه الوضعي هو أن يمكن التنبؤ من خلال نتائج دراسة ما، بما يمكن أن يقع في حالة مشابهة، والانتقالية في البحث النوعي تعني أن نتائج البحث قد تكون مفيدة في حالات مشابهة، كما أن هناك خلاف كبير بين المشتغلين في البحث النوعي حول تحقيقه للانتقالية من عدم تحقيقه لها، فإن أغلب أنصار البحث النوعي يرون أن من أهداف البحث النوعي الأساسية ليس تعميم النتائج وإنما التعمق في فهم الظاهرة المدروسة. لذلك يجب على الباحث في الحالة الجديدة أن يتأكد من أن الحالة الجديدة يمكن أن تستفيد من نتائج الحالة القديمة.
ثالثاً: الاعتمادية:
يستخدم هذا المصطلح في مقابل مصطلح الثبات في البحث الكمي، فالثبات يعني أنه لو تمت إعادة تطبيق الاختبار في نفس الظروف سيحقق نفس النتائج، وهذا المفهوم قائم على التصور الوضعي الذي يرى أن الظواهر التربوية تسير بشكل منتظم ومنطقي، وأن ما حدث في وضع لابد أن يحدث في أوضاع مماثلة، وهذا يختلف مع التصور الذي يقوم عليه البحث النوعي الذي يرى أن الحقيقة الاجتماعية يتم إعادة بنائها باستمرار وبشكل متجدد، ويمكن للباحث تعزيز هذا الجانب من خلال الآتي:
- تضمين البحث قسماً يوضح تصميم البحث وإجراءات تطبيقه وكيف قام بتنفيذه.
- الوصف الإجرائي لعمليات جمع المعلومات وذكر تفصيلات ذلك.
- تقويم تأملي لمشروع البحث لتقويم فاعلية عملية البحث التي تمت.
رابعاً : التطابقية (التأكيد):
إن التطابقية أو القابلية للتأكيد تقابل الموضوعية في البحث الكمي، وهذا يعني الإجابة على السؤال (هل يمكن أن تؤكد نتائج البحث عن طريق باحث آخر؟ أو من خلال نتيجة بحث جديد؟)، ويتم ذلك في البحث النوعي من خلال نقل التقويم من بعض الخصائص المتأصلة في الباحث، وهي الموضوعية، ومن ثم وضعها في البيانات نفسها، فالمعيار النوعي هو هل البيانات تساعد على تأكيد النتائج العامة؟ هذا هو المعيار النوعي المناب، لذلك على الباحث النوعي أن يعالج في مقدمة بحثه القلق الطبيعي الذي سينشأ عند القارئ من احتمال تأثير ذاتية الباحث في إجراءات ونتائج البحث، ويمكن أن يتم ذلك من خلال اتباع الإجراءات التالية:
- اختيار باحث مشارك يعمل ناقداً لكل خطوات البحث.
- البحث عن الأمثلة السالبة وإظهاراها.
- بيان كيف أن التحليل اهتم بالبحث عن تفسيرات بديلة واختبارها.
- تقديم أمثلة لملاحظات خالية من الأحكام ومحايدة، والفصل بين الملاحظة المحايدة والملاحظات الشخصية التفسيرية.
- وضع بيان بمتابعة خطوات جمع المعلومات وأساليب التحليل.