يرى عبد الرحمن بدوي أن المناهج البحثية لا تنحصر؛ إذ أن كل فرع من فروع العلم يمكن أن يحوي بداخله عدة مناهج بحثية، بل إن كل مسألة جزئية من جزئيات العلم الواحد يمكن أن تخضع لمناهج خاصة بها، ومع ذلك فإن من الممكن تقسيم جميع مناهج البحث العلمي حسب نوع العمليات العقلية الموجهة لها إلى أربعة مناهج:
1. المنهج الاستدلالي أو المنهج الاستنباطي: وهو منهج العلوم الرياضية، ويسير فيه الباحث العلمي من مقدمات ومبادئ إلى قضايا ونتائج، حيث يمضي البحث العلمي من المقدمات إلى النتائج على أساس ذهني ومنطقي، دون اللجوء إلى التجربة؛ إذن فهو يبدأ من الكليات وينتهي إلى الجزئيات. وللمنهج الاستدلالي أدواته الخاصة، وأهمها: القياس والتجريب العقلي والتركيب والبرهنة الرياضية.
ولا بد للنظام الاستدلالي من مقدمات أولية يقوم عليها: ونعني بها القضايا غير المستنتجة من غيرها، والتي تكون في نفسها ضرورية وغير قابلة للنقاش، وتنقسم إلى بديهيات ومصادرات وتعريفات. فمثال البديهية: "من يملك الأكثر يملك الأقل"، ومثال المصادرة: مصادرة إقليدس التي تقول: "يمكن من نقطة أن يجر مستقيم مواز لمستقيم آخر، ولا يمكن أن يجر غير مستقيم واحد" وتتعلق التعريفات والمصادرات بتصورات خاصة بكل علم.
2. المنهج الاستقرائي: وهو المنهج المتبع في العلوم الطبيعية، ويقوم على الملاحظة والتجربة والتحكم بالمتغيرات للوصول إلى الاستنتاجات النهائية، فيكون بهذا عكس سابقه إذ يبدأ من الجزئيات ليستخرج منها القوانين العامة الكلية. وللمنهج الاستقرائي ثلاث خطوات، تبدأ بالوصف والتعريف والتصنيف، ثم تأتي الخطوة الثانية وهي بيان الروابط والعلاقات بين مجموعة الظواهر المتشابهة، ثم يضع فرضا يمكن أن يكون تفسيرا لهذه الروابط، وتكون الخطوة الثالثة عبارة عن إجراء التحارب امتحانا لصحة هذا الفرض.
3. المنهج الاستردادي: وهو المنهج المستخدم في العلوم التاريخية، إذ يقوم الباحث العلمي باسترداد الماضي حسب الآثار المتاحة له مثل: كتابات المعاصرين وشهاداتهم، والوثائق التاريخية. وسيأتي الكلام عليه.
ويضيف الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه "مناهج البحث العلمي" منهجا رابعا إلى المناهج الثلاثة السابقة وهو المنهج الجدلي، وهو المنهج الذي يحدد منهج المناظرات والمحاورات في المناقشات العلمية.
وبعد، فقد بينّا لك مفهوم البحث العلمي، وأهمية أن يكون الباحث العلمي على دراية بمناهج البحث العلمي، وما هي مناهج البحث العلمي المختلفة وما الذي يميز كل منهج عن غيره وكيفية استخدام منهج البحث العلمي للإفادة منها في البحوث العلمية في الفروع المعرفية. ونرجو أن يكون هذا إضافة للباحثين وأن يمثل لبنة في بناء البحث العلمي في الوطن العربي.