تحكي القصة أنه خلال حفل للشاي لمجموعة من أساتذة الجامعة وزوجاتهم في أواخر عام 1920 في مدينة كامبريدج بإنجلترا، زعمت امرأة أن مذاق الشاي يختلف إذا صببناه على الحليب عن مذاقه إذا صببنا الحليب فوقه. وعلى الرغم من كون البعض تعامل مع فكرتها بسخرية، ولكن رونالد فيشر كانت له وجهة نظر مختلفة. واقترح فيشر إعطاءها ثمانية أكواب بترتيب عشوائي؛ أربعة منها صب الشاي أولاً ثم الحليب وأخرى صب بالعكس، وما قصده "فيشر" أن السيدة يمكنها أن تعرف ذلك الأمر من فنجان واحد، ولكن ماذا سيحدث لو قدمنا لها عددا أكبر، حينها فقط يمكن التأكد من هذا الادعاء، ويمكن القول بأننا أمام نظرية حقيقية، وأن أي افتراض لا يمكن التأكد منه إلا باستخدام الإحصاء وليس بالظاهرة الواحدة. ومن خلال هذه التجربة بدأ فيشر العمل الذي مهد الطريق لفرع شديد الأهمية من فروع علم الإحصاء وهو "تصميم التجارب"، والذي يساعدنا في اتخاذ القرارات في مواقف غير مؤكدة واختبار الادعاءات و"الفرضيات" مثل فرضية ذواقة الشاي، والتي على الرغم من بساطتها ولكنها فتحت الباب ليصبح علم الإحصاء علما مستقلا بذاته.
تعريف علم الإحصاء
علم الإحصاء يدور حول فهم البيانات وتحديد كيفية استخدام وتوظيف تلك البيانات، وعند هذه النقطة تجدر الإشارة إلى أن هناك مصطلحين مرتبطان -ولكن منفصلان- هما: الإحصاء والإحصائيات. حيث يشير مصطلح الإحصاء إلى العلم الذي يُعنى بجمع ودراسة وتحليل البيانات، فيما يشير مصطلح الإحصائيات للحقائق الرقمية أو الملخصات المندرجة تحت المظلة الكبرى لعلم الإحصاء.
الآن للإجابة على السؤال "ما هو علم الإحصاء؟". لنفترض أنك في لحظة تأمل أثناء تناول وجبتك السريعة المفضلة تبادر إلى ذهنك بعض الأسئلة: لماذا يأكل الناس الوجبات السريعة... معدل تناول الوجبات السريعة أسبوعيا ... هل يتناول الناس طعامًا سريعًا في عطلة نهاية الأسبوع أكثر من أيام الأسبوع... هل الطعام السريع يُسبب لي الإجهاد؟ الآن، لدينا بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام، نحتاج لأن نسأل أنفسنا سؤالًا أكثر أهمية هل يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة مستخدمين علم الإحصاء؟
على سبيل المثال، للإجابة عن السؤال حول سبب ومعدل تناول الأشخاص للوجبات السريعة، يمكنك أن تطلب من مجموعة من المشاركين ملء استبيان، فيذكروا عدد المرات التي يأكلون فيها الوجبات السريعة أسبوعيا، وتحديد سبب تفضيلهم الوجبات السريعة. مع تحليل نتائج الاستبيان إحصائيا، قد نكتشف أن السبب الأكثر شيوعًا الذي يدفع المشاركين لتناول الوجبات السريعة هو سرعة وسهولة الحصول عليها، أو أن متوسط عدد الوجبات التي يتناولونها هو خمسة وجبات اسبوعياً.
للرد على ما إذا كان الناس يتناولون الوجبات السريعة أكثر في عطلات نهاية الأسبوع، أو سواءً إذا كان تناولها أكثر من مرتين في الأسبوع يزيد من الإجهاد، فلن نحتاج فقط إلى معرفة كم يتناول الناس الوجبات السريعة، والتي طرحها استبياننا، ولكن أيضا أي الأيام يأكلونها وسنحتاج إلى مقياس إضافي للإجهاد. وعلى الرغم من سهولة قدرة الاحصائيات على إعطاء إجابة جيدة حول ما إذا كان الناس يتناولون الوجبات السريعة أكثر أيام العطل، ولكن مسألة ما إذا كان تناول الوجبات السريعة يرتبط بمستويات أعلى من الإجهاد يصعب الإجابة عنها مباشرةً.
غالبًا ما تكون بعض الأسئلة الأكثر إثارةً للاهتمام هي تلك التي لا يمكن الإجابة عليها مباشرة عن طريق الاحصاء؛ مثل سبب تناول الأشخاص للوجبات السريعة بدلاً من ذلك، نجد أسئلة يمكننا الإجابة عليها؛ مثلما إذا كان الأشخاص الذين يتناولون الوجبات السريعة غالبًا ما يعملون أكثر من ثمانين ساعة في الأسبوع. إن الأدوات التي يستخدمها علم الإحصاء للإجابة على هذه الأسئلة تنقسم لنوعين رئيسيين: الإحصاء الوصفي والإحصاء الاستدلالي.