علاقة علم الاجتماع بالعلوم الإنسانية الأخرى
علم الاجتماع هو واحد من العلوم التي تهتم بدراسة سلوك الإنسان والتي تسمى بالعلوم الإنسانية أوالاجتماعية ومنها (علم النفس وعلم التاريخ وعلم الاقتصاد والعلوم السياسية...الخ) وعلم الاجتماع هو واحد من تلك العلوم، ويمكن تعريف علم الاجتماع على أنه " دراسة الحياة الاجتماعية للبشر سواء بشكل مجموعات أو مجتمعات ودراسة التفاعلات الاجتماعية"
يعد علم الاجتماع من التخصصات الحديثة نسبياً فقد ظهر في بدايات القرن التاسع عشر كردٍّ على الحداثة وهو وإن كان ضمن العلوم الإنسانية لكنه يختلف عنهم بجوانب شتى على سبيل المثال يختلف علم الاجتماع عن علم النفس من ناحية أن علم النفس يدرس العقل والسلوك البشري كمشاعر وعواطف وأحاسيس في حين أنَّ علم الاجتماع يقوم بدراسة المجتمعات البشرية وعلاقة الأشخاص ببعضهم البعض والثقافات المتبادلة بين الشعوب.
- علاقة علم الاجتماع بعلم التاريخ:
يتمركز علم الاجتماع حول دراسة العلاقات الاجتماعية الحاضرة والماضية على حد سواء فهو وإن كان منفصلا عن علم التاريخ لكنه يستعين به ليدرس العلاقات الاجتماعية وتأثيرها على الظواهر التاريخية التي حدثت وعلى غيار علم التاريخ فأن ذلك الاخير يدرس الظواهر التاريخية من حيث عمقها وقيمتها التاريخية وهم أي علماء التاريخ يبينون كيفية وقوع الأحداث دون التطرق إلى أسباب وقوعها، ومنه يتضح للقارئ علاقة علم الاجتماع بعلم التاريخ حيث أنَّ الثاني يستعين بالأول ليدرس العلاقات الاجتماعية وتأثيرها على الحوادث التاريخية فعلم التاريخ يدرس الحوادث من حيث قيمتها دون النظر إلى أسبابها وعلم الاجتماع يدرس الأسباب لننتقل منها إلى الحادثة التاريخية، ولننتقل معا ًإلى اختلاف آخر يتضح عند دراسة منهجية علم التاريخ ومنهجية علم الاجتماع حيث أنَّ الأول لا يهتم كثيرا بالعلاقات الاجتماعية كعلاقة الملك مع زوجته أو ولده على خلاف الثاني حيث هذا الأمر (العلاقات الاجتماعية) هو محور اهتمامته ونقطة دراسته وليس معنى الإشارة إلى هذه الفروق بين العلمين أن هناك انفصالاً بينهما، فكثيراً ما اهتم بعض المؤرخين بالتاريخ الاجتماعي، أو تاريخ العادات والعلاقات، والأعراف والنظم الاجتماعية والنماذج السلوكية داخل المجتمع. كما استعان آخرون بالتحليلات السوسيولوجية في مجال فهم الواقع وفهم الأحداث، هذا فضلاً عن الدعوة لقيام فرع من علم التاريخي، ولا شك في أهمية البعد التاريخي للتمكن من فهم نظم وعلاقات المجتمعات المعاصرة.
- علاقة علم الاجتماع بعلم النفس:
يعتبر علم النفس من العلوم الإنسانية التي تدرس الإنسان من الناحية النفسية فهو قد يظهر للوهلة الأولى أنه وعلم الاجتماع في سرداب واحد ومعنىً واحد لكنه يختلف معه في أمور: فعلم النفس يهتم بدراسة الفرد من جانب مشاعره وعواطفة وما يعتلج في فؤاده ويحل مشاكله العاطفية والفكرية، يدرس حياة الانسان وولادته ويحلل سلوكه فملخص هذا كله ان علم النفس يهتم بدراسة الإنسان كفرد وليس كجماعة بخلاف علم الاجتماع حيث يهتم كما أسلفنا بدراسة العلاقات الاجتماعية من عادات وتقاليد وجوانب الأخلاق الاجتماعية وحل المشكلات في المجتمع ككل وما إلى ذلك، ولكن لا يُفهم من هذا كله أنَّ علم الاجتماع وعلم النفس لا يلتقيان بحال، إنما علاقتهما كعلاقة الرأس بالجسد فهما لا ينفكان عن بعض ذلك لأن على الرغم من الاختلافات بين علم الاجتماع، وعلم النفس، إلا أن هناك أموراً مشتركة بينهما، فعلم النفس يدرس سلوك الفرد، والخبرة التي يمر بها الفرد مع البيئة الاجتماعية المحيطة به، ويدرس الفرد من خلال الاهتمام بالخصائص والعمليات التي تنمو لدى الإنسان، وكيفية القيام بوظائفه، في حين علم الاجتماع يختص بالخبرة والسلوك الاجتماعي الذي ينتج من خلال الأمور، والأعمال، والتنظيمات الاجتماعية، ويعمل على تطويرها، وحالته النفسية تنعكس على جانبه الاجتماعي، فهناك علاقة مباشرة بين الطرفين، وأيضاً المجتمع والثقافة المتعارف عليها، تعمل على تكوين شخصية الفرد، وتحدد طريقة تفكيره، وسلوكه، والطرق التي يعبر بها عن نفسه.إن الأشخاص الذين يعيشون في المدن، يختلفون عن الذين يعيشون في القرى، لكون العوامل الاجتماعية تؤثر على شخصية الفرد، مما يؤكد وجود علاقة وثيقة بين علم النفس وعلم الاجتماع، فتيارات الحياة الاجتماعية، والنفسية، والحياتية تترابط مع بعضها البعض، فلا يمكن تحليل سلوك الفرد من دون الاستعانة بهاذين العلمين معا وملخص الكلام أن علم النفس خاص وعلم الاجتماع عام وعلم النفس الاجتماعي يجمع بينهما.
- علاقة علم الاجتماع بالعلوم الدينية:
بعض علماء الاجتماع يميل إلى القول بأن الدين هو ظاهرة اجتماعية في المقام الأول فالمجتمع من وجهة نظرهم عندما يتعرض لبعض الأزمات فإنه يحاول جاهدا الخروج منها ويبتكر لذلك الكثير من الحلول وعندما تنجح طريقة معينة للخروج من الأزمة فإن المجتمع يقدس هذه الطريقة وتقدسها الأجيال المتعاقبة بعد ذلك.
فمن هذا الباب يظهر لنا علاقة علم الاجتماع بالدين فمن وجهة نظر الفلاسفة، العلاقات الاجتماعية هي منشأ الدين ومنبعه، ومنه أيضا لابد عند درسة تاريخ الأديان أن يتم دراسة العلاقات الاجتماعية آن ذاك كي يتضح للباحث كيفية انتشار الدين من عدمه ومدى تقبل الناس لهذا الدين ومدى رفضهم له، وطبيعة الأشخاص الذين انضموا له فهذا كله يؤثر في دراسة الأديان ويلعب دورا هامًا في فهم الدين وفهم أساسياته.
نكتفي معكم أحبتي بهذه العلوم الثلاث (علم التاريخ وعلم النفس وعلم الأديان) وعلاقتها بعلم الاجتماع ولكن هذا لا يعني أن العلوم الإنسانية الأخرى لا علاقة لها بعلم الاجتماع بل هي تتصل معه بشكل أو بآخر بجانب واحد أو جوانب متعددة ولكن لا مجال لذكرها هنا خشية السأم وفي نهاية هذه المقالة سننوه إلى علاقة علم الاجتماع بالعلوم الاجتماعية الأخرى ككل
- علاقة علم الاجتماع بالعلوم الاجتماعية الأخرى ككل:
لعله لا يخفى عليكم أنَّ العلوم الاجتماعية تهتم بدراسة الإنسان هذا مجمل الكلام ولكن مفصله أن كل علم من العلوم الاجتماعية يدرس الإنسان من جهته هو (من جهة العلم) فعلم الاقتصاد يدرس الإنسان من الجوانب المالية والاقتصادية والتجارة والبيع....الخ وعلم التاريخ يدرس الإنسان من الجانب الحدثي؛ أي من الجانب التاريخي وتوثيق الأحداث وبيان أهميتها ونتائجها، وعلم النفس يدرس الإنسان من الناحية النفسية، وعلم الدين كذلك وعلم الرياضة كذلك ....الخ ولكن علم الاجتماع لا يختص بجانب دون آخر فهو يدرس العلاقات الاجتماعية كلها من العلاقات الاقتصادية إلى الدينية إلى أسباب الحوادث التاريخية من الناحية الاجتماعية؛ فهو ينظرإلى المجتمع ككل مترابط ويهتم بالصلات بين اجزائه ديناً أو دولة أو عملاً.
يظهر الفرق بين علم الاجتماع وباقي العلوم الاجتماعية إذا ما تناولنا دراسة ظاهرة اجتماعية معينة «كظاهرة الانتحار» على سبيل المثال ، فالاقتصاد يرجع أسبابها إلى الفقر، وعلم النفس يرجعها إلى ردة فعل نفسية جراء حدث معين، والسياسة ترجعها إلى الاخفاق في المعالجات السياسية للأمور المتعلقة بالفرد، والدين يرجعها إلى قلة الزاع الديني وضعف الايمان وفساد الخلق، والجغرافيا إلى اثر المناخ أو البيئة أو غير ذلك. وبالرغم من توصل هذه التفسيرات إلى جانب من حقيقة الانتحار، إلاّ ان كل منها على حدة لا يستطيع ان يقدم سبباً كافياً يمكن الاعتماد عليه، لإنهلم يدخل في تبيان الخصائص الرئيسية للانتحار ونوع الأشخاص المنتحرين وفترات الزيادة والنقص في الانتحار وتوزيع نسب المنتحرين في المجتمعات المختلفة. والذي يستطيع أن يقدم السبب الكافي ويقوم بكل هذه الامور هو علم الاجتماع، ومنه يظهر لنا علاقة واختلاف علم الاجتماع بالعلوم الاجتماعية الأخرى على الانفراد وعلى الكل.