طلب خدمة
استفسار
×

التفاصيل

نشأة علم الاجتماع

  الكاتب :د. يحيي سعد
عدد المشاهدات(38768)

نشأة علم الاجتماع

 

 

 

قطع علم الاجتماع شوطًا طويلاً، حتى بلغ مرحلة الرشد والاكتمال، فقد نشأ في أحضان الفلسفة، وقد نمت كثير من مسائل علم الاجتماع وهو جزء منها، وما إن برزت العلوم الأخرى حتى حاول علماؤها أن يلحقوا مسائل علم الاجتماع بمسائلها كما حدث من جانب بعض مفكري الطبيعة، والبيولوجيا، والتاريخ، وعلم النفس وغيرها، ولم يرض علم الاجتماع بتلك التبعية، وحاول علماؤه والمفكرون في موضوعاته أن يخلصوا من هذه التبعية، ويتناول المقال الحالي علم الاجتماع من حيث النشأة وأهم الفلاسفة وإسهاماتهم بشكل يتبع أسس البحث العلمي.

نشأة علم الاجتماع وتطوره

 

 

نشأ علم الاجتماع كغيره من فروع المعرفة الإنسانية بين أحضان الفلسفة، وظل الفلاسفة يشيرون إلى ظواهره وموضوعاته من خلال تناولهم لقضاياهم الفلسفية وبقي هذا شأنه حتى اكتمل عوده، ووصل إلى مرتبة العلم المستقل، له مجالاته الخاصة، وقوانين دقيقة كغيره من العلوم، ومناهج دراسة علمية صحيحة قائمة على الملاحظة والتجربة، ووضع الفروض، ومحاولة اختبارها، واستطاع العلماء المحدثون الوصول إلى نتائج وقوانين أمكن صوغها في صورة كمية، بل ومعادلات رياضة، ورسوم بيانية تعبر عن الحياة الاجتماعية بأدق النتائج.

 

إسهامات الفلاسفة في علم بالاجتماع

 

 

 أفلاطون: (428–347 ق.م)

ضمن أفلاطون معظم آرائه الاجتماعية في كتابه المسمى (الجمهورية) وكان الغرض الذي يهدف إليه أفلاطون هو التخطيط الأمثل لقيام (مدينة فاضلة) لا شرور فيها لا آثام، مدينة فاضلة تظلها العدالة والمساواة، وترفرف عليها الفضيلة في كل جانب، تشرف عليها طبقة الفلاسفة، حيث أن المجتمع عنده ينقسم إلى ثلاث طبقات هي طبقة الفلاحين والصناع، وطبقة الجند، وطبقة الفلاسفة أو الحكام، ومن رأيه أن طبقة الصناع والفلاحين تأتي في أدنى السلم الاجتماعي، ومهمتها تأمين المجتمع وتأمين حياة الطبقتين التاليتين وهما: الجند والحكام، وهذه هي الطبقة الوحيدة التي يحق لها التملك وتكوين أسرة، أما طبقتي الجند والحكام فلا يصح لها ذلك حتى لا تنشغل عن مهمتها الأساسية في إدارة شئون المجتمع وحمايته، وواضح من هذه الآراء أنها آراء نظرية لا تتفق وطبيعة الحياة الاجتماعية وأنها مستمدة من نظريات فلسفية لذلك نجد أن أفلاطون نفسه يعدل عن بعضها في كتابه (القوانين).

 

أرسطو: (384 _ 323 ق.م)

يعد أرسطو التلميذ النجيب لأفلاطون، وقدا جاءت كتاباته في الفلسفة الاجتماعية أكثر واقعية ووضعية، وأدق من أستاذه، بل يرى البعض أنها أدق ما احتوته الفلسفة القديمة بوجه عام، وقد ضمن أرسطو معظم آرائه الفلسفية والاجتماعية كتابه (السياسية).

وأورد الأفكار الاجتماعية الجديدة، مثل قوله بأن الإنسان مدني بطبعه وأنه يستحيل على الإنسان أن يحيا ويعيش منفصلا عن المجتمع، والدولة وجدت لتنظم حياة الناس في المجتمع وتشرف عليهم، وتطبق التشريعات بهدف تحقيق العدالة والمساواة، وأرسطو يقر الطبقة التي حاول أفلاطون أن ينفيها عن طبقتي الجند والحكام، وهو يصنف الحكومات إلى نوعين: حكومة صالحة وأخرى فاسدة.

وهكذا نجد أن أرسطو قد لمس أدق مسائل علم الاجتماع وعالجها منهجيًا، إلا إنه لم يدرس هذه المسائل بصورة مستقلة، ولكنه كان يدرسها على اعتبار أنها مدخل لنظرية الدولة، ولذلك يعتبر أرسطو أول من توصل إلى ضرورة قيام علم السياسة، رغم أنه بشر بموضوعات في صميم علم الاجتماع.

 

الفارابي (873مــ950م)

ضمن الفارابي بحوثه الاجتماعية في كتابين هما: كتاب السياسة المدنية، وكتاب أهل المدينة الفاضلة، وقد حاول في كتابه الأخير أن ينشئ مدينة على غرار مدينة أفلاطون ويؤخذ عليه أنه تأثر تأثرا كبيرا بآراء فلاسفة اليونان أفلاطون وأرسطو، وأنه حاول أن يخرج أو يوفق بين آرائهما وبين الآراء الإسلامية، فجانبه الصواب في كثير من هذه المحاولات.

 

ابن خلدون: (1332م– 1406م)

مقدمة بن خلدون:

قام ابن خلدون بكسب شهرة واسعة في مجال علم الاجتماع بتأليفه لكتاب اشتهر بن وسماه (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) وينقسم إلى ما يلي:

 المقدمة: (في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه، وأسباب أخطاء المؤرخين) وقد أشار إلى أن تلك الأخطاء تشمل عدم دراسة المؤرخين للبشر واختلافاتهم حسب المجتمعات والتكوين البشري لكل منهم وهو ما أطلق عليه (علم العمران) موجهاً النظر إلى ضرورة دراسة المجتمع وما به من وقائع وظواهر اجتماعية، ودراسة علمية تحليلية، مع استخلاص ما تخضع له هذه القواعد من قواعد وقوانين، ومشيراً إلى أن طبيعة علم العمران ليست إلا جزء من الطبيعة العامة، ثم انتقل بعد ذلك إلى دراسة اجتماعية للمجتمعات التي زارها أو قرأ عنها مستنبطاً بعض القواعد والقوانين التي سجل بها سبقه على مفكري الغرب بعدة قرون.

  1. الكتاب الأول: في العمران وما يعرض له من العوارض الذاتية وما لذلك من العلل والأسباب.
  2. الكتاب الثاني: في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ بدء الخليقة حتى القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).
  3. الكتاب الثالث: في أخبار البربر ومن إليهم وأجيالهم ودولهم.    

ويطلق على المقدمة والكتاب الأول ما نسميه اليوم باسم (مقدمة ابن خلدون) وهي التي تعنينا لأنها تشمل على آراء ابن خلدون الاجتماعية.

 

أوجست كونت  O.Conto (1797 – 1857 م).

تعثر علم الاجتماع بعد ابن خلدون، وعادت معالجة علم الاجتماع لا كعلم مستقل بذاته، وإنما مصطبغاً بالصبغة الفلسفية في أغلب الأحوال، وظل الحال هكذا حتى قبض الله العالم الفرنسي كونت في القرن التاسع عشر (الثاني عشر الهجري)، وعلى يديه عاد المنهج العلمي في علم الاجتماع إلى الظهور، وإلى كونت ينسب المؤرخون الفضل في نشأة علم الاجتماع الحديث.

ويرى كونت أنه لكي يمكن فهم الناس لظواهر المجتمع على أساس المنهج الوضعي يجب أن يتوفر شرطان:

الشرط الأول: أن تخضع الظواهر (الواقعات) الاجتماعية لقوانين تسير عليها ولا تخضع للأهواء والمصادفات، وذلك لأن فهم الظواهر الاجتماعية بطريقة وضعية هو عبارة عن القوانين التي تحكمها.

الشرط الثاني: أن يحيط كل فرد بكافة القوانين الاجتماعية ليتمكنوا من فهم الظواهر التي تقوم بتأسيس تلك القوانين، وهو يرى أن الشرط الأول متوفر في الظواهر الاجتماعية لأنها جزء من الطبيعة الكلية، وجميع نواحي هذه الطبيعة قد خضعت لقوانين ثابتة أمكن الوصول إليها، وأما الشرط الثاني (معرفة الناس بهذه القوانين) فلا يمكن توافره إلا إذا كشف الباحثون عن هذه القوانين ولا يمكن الكشف عنها إلا إذا قام علم جديد وظيفته دراسة ظواهر علم الاجتماع دراسة علمية وضعية، وبقيام هذا العلم الجديد يتم القضاء على الفوضى الفكرية، ومن ثم يتم الإصلاح المنشود.

 

ويعتبر كونت أول من استخدم كلمة علم الاجتماع (Sociology)، وهذا الاصطلاح مكون من كلمتين من أصل لاتيني ويوناني وهما Socio  وتعني المجتمع، و logoy  تعني علم أو بحث باليونانية، وهكذا يعني علم الاجتماع، وقد سمى كونت علم الجديد باسم الطبيعة الاجتماعية في بادئ الأمر إلا أنه عاد فسما علم الاجتماع وقد قسمه إلى شعبتين رئيستين هما:

  1. الشعبة الأولى وسماها (الديناميك الاجتماعي) Social dynamic: وتدرس الشعبة الأولى علم الاجتماع الإنساني من حيث تطوره، وتغيره من حال إلى حال
  2. الشعبة الثانية وسماها (الستاتيك الاجتماعي) Social Static: تهتم تلك الشعبة بدراسة كافة المجتمعات البشرية حالة ثباتها واستقرارها في فترة زمنية معينة من التاريخ.

 

اميل دوركايم E.Durkhiem  (1858– 1917م):

يعتبر اميل دوركايم E.Durkhiem   زعيم المدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع والتي لا تزال قائمة حتى مجتمعنا هذا، وهو عالم اجتماع فرنسي وأحد تلامذة كونت، وقد اهتم هو ومدرسته بالدفاع عن كيان العلم، والتصدي للمعارضين في استقلاله، ودرس معظم ظواهر المجتمع ونظمه، ووصلوا في هذا الصدد إلى نتائج وقوانين على درجة عالية من الأهمية، وبذلك ازدهر العلم، وانتشر في كل البلاد، وبقيام الحرب العالمية الثانية انتقل مركز الصدارة في هذا العلم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وقد كان لضخامة الإمكانيات بها، وكثرة ما رصدته من مكافآت وإعانات دراسية أكبر الفضل في زيادة الإقبال على الدراسة في الميدان الاجتماعي، وفي إغراء الكثير من العلماء الأجانب إلى الهجرة إليها، وقد عرفت كثير من البلاد العربية الدراسات الاجتماعية منذ أوائل القرن الحالي.

 

التعليقات


الأقسام

أحدث المقالات

الأكثر مشاهدة

الوســوم

خدمات المركز

نبذة عنا

تؤمن شركة دراسة بأن التطوير هو أساس نجاح أي عمل؛ ولذلك استمرت شركة دراسة في التوسع من خلال افتتاح فروع أو عقد اتفاقيات تمثيل تجاري لتقديم خدماتها في غالبية الجامعات العربية؛ والعديد من الجامعات الأجنبية؛ وهو ما يجسد رغبتنا لنكون في المرتبة الأولى عالمياً.

اتصل بنا

فرع:  الرياض  00966555026526‬‬ - 555026526‬‬

فرع:  جدة  00966560972772 - 560972772

فرع:  كندا  +1 (438) 701-4408 - 7014408

شارك:

عضو فى

معروف المركز السعودي للأعمال المرصد العربي للترجمة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم هيئة الأدب والنشر والترجمة

دفع آمن من خلال

Visa Mastercard Myfatoorah Mada