يعد هذا المقال مدخلاً إلى نظرية التعلم ذو المعنى لأوزوبل، والتي تعد من أهم النظريات في المجالات التربوية والتعليمية، ونسعى في هذا المقال إلى تقديم شرح موجز لمبادئ نظرية أوزوبل ومفاهيمها الأساسية، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على نظرية التعلم ذو المعنى لأوزوبل.
بالرغم من وجود العديد من النظريات المعرفية والنفسية والتربوية، إلا نظرية أوزوبل في النمو المعرفي والتعلم ذو المعنى تعد من أقوى هذه النظريات جميعاً. وقد سبق وعرضنا العديد من هذه النظريات، مثل: نظرية النمو المعرفي لبياجيه، ونظرية إيريك إيركسون، وغيرهم. وفي هذا المقال نتناول نظرية أوزوبل في النمو المعرفي والتعلم ذو المعنى. ويعد عالم النفس الأمريكي ديفيد أوزوبل من أشهر علماء النفس التربوي، وله العديد من الإسهامات في ميادين العلوم المعرفية وعلم النفس التربوي، ومجالات التعليم والتعلم بشكل عام. وقد تأثر ديفيد أوزوبل بأفكار عالم النفس الفرنسي جان بياجيه ونظرية النمو المعرفي، مما كان له أثر بالغ في تطوير نظرية أوزوبل في النمو المعرفي، والتي عرفت بـ نظرية التعلم ذو المعنى أو التعلم اللفظي المعرفي القائم على المعنى. فقد كان ديفيد أوزوبل يؤمن أن استيعاب المتعلم للأفكار والمبادئ والمفاهيم يبدأ من التفكير الاستنباطي، والذي يعد نقطة البداية في طريق التعلم ذو المعنى. حيث رأى أوزوبل أن تعليم المتعلم لا يتم عبر ملء ذهنه بالمعلومات كما تُعبأ الأوعية، وإنما آمن بضرورة التعلم القائم على المعنى القائم على الاستنباط.
المفاهيم الأساسية لنظرية التعلم ذو المعنى
رأى أوزوبل ضرورة التركيز على التعلم بالتلقي كبديل عن التعلم بالاكتشاف، ورأى في نظرية التعلم ذو المعنى تفسيراً لكيفية اكتساب المعارف. حيث رأى أوزوبل أن الأشخاص في تعلمهم يقومون بربط المعارف الجديدة بالمعارف السابقة عبر التفكير الاستنباطي، وهو ما يضيف معنى إلى المعلومات الجديدة. ومن هنا يأتي اسم نظرية التعلم ذو المعنى لأوزوبل. فإن إدماج المعلومات الجديدة داخل البناء المعرفي للمتعلم هو ما يكسبها المعنى، عبر ربطها وتنظيمها مع المعارف السابقة التي ترتبط مع سابقتها وهكذا إلى أن تصل إلى المعارف الأولية البديهية المعلومة ضرورة بالحس أو العقل.
ومن ثم يمكننا القول بأن سرعة وكفاءة التعلم تعتمد على قدرة المتعلم على ربط المعلومات الجديدة بنظام المعلومات السابقة داخل المنظومة المعرفية الشخصية. ولا شك أن هذه الطريقة من طرائق التعلم المميزة، الأمر الذي يعكس مميزات نظرية أوزوبل في التعلم، فإن ربط الأفكار ببعضها منطقياً لا يتطلب جهداً كبيراً كما هو الحال في عمليات الحفظ والاسترجاع. فعملية التعلم عند أوزوبل أشبه بإضافة حجر بناء إلى الهرم المعرفي وربطه وتثبيته اعتماداً على الأسس القوية. كما تتجلى هنا ميزة أخرى من مميزات نظرية التعلم ذو المعنى وهي انتقال هذه المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأمد، الأمر الذي لا يتطلب استرجاعاً مستمراً كما هو الحال في المعلومات المحفوظة. ومثال ذلك العلم بأن الأربعة ضعف الاثنين، فإن العلم بذلك مترتب على العلم بأن الاثنين ضعف الواحد.
آثار نظرية أوزوبل في النمو المعرفي
لا شك أن نظرية التعلم ذو المعنى لأوزوبل تؤكد على أهمية عمليات الفهم والإدراك والاستدلال ودورها في عملية التعلم، في مقابل عمليات الحفظ والتعلم بالاكتشاف. وهو ما ينبغي أن يأخذه المعلمون بعين الاعتبار أثناء تعليم الطلاب، فقد رأى أوزوبل أن العملية التعليمية المدرسية تستهدف بالأساس إكساب الطلاب المعلومات الأساسية في المجالات المختلفة، مع التأكيد على ضرورة احتفاظ الطلاب بهذه المعلومات ليقوموا باستخدامها في المواقف التطبيقية الجديدة. ولما كانت نظرية التعلم ذو المعنى لأوزوبل تصنع معارف ثابتة ومستقرة في الذاكرة طويلة الأمد.. كان لا بد للمعلمين الاستفادة من هذه النظرية في بناء المنظومة المعرفية لدى الطلاب.
ومن الضروري كذلك التنبيه على أهمية نظرية أوزوبل التطبيقية في تصميم وبناء المناهج المدرسية وأساليب التدريس، خاصة فيما يتعلق بعمليات التعلم بالاستقبال أو التلقي. الأمر الذي تظهر ثماره في تماسك البناء المعرفي للطلاب وصلابته.
وختاماً نقول: بالرغم من إيجابيات نظرية أوزوبل في النمو المعرفي، والتي استطاعت أن تقدم لنا تفسيراً لكيفية حصول المعرفة وبناء المنظومة المعرفية، الأمر الذي انعكس إيجاباً على المنظومة التعلمية في تعليم الطلاب وكذلك في عمليات التعلم الذاتي، إلا أن نظرية التعلم ذو المعنى لأوزوبل لم تسلم من نقد، إذ رأى البعض أنها تولي اهتماً كبيراً لعمليات التعلم بالتلقي، على حساب إهمال أساليب التعلم بالاكتشاف. لكن على الرغم من ذلك النقد تبقى نظرية التعلم ذو المعنى من النظريات الهامة في المجالات التربوية والمعرفية.