تحلى اهل قريش الجاهليون بالعديد من الصفات التي تعكس مرحلة ما قبل بناء الوعي تتمثل في:
أولًا: الجاهليون عقول غريبة، وقلوب قاسية:
ما أكثر خطاب القرآن الكريم للعقل الإنسانيِّ في آياته، وما أعظم خطر القلب في نصوص السُّنة النَّبويَّة، حتَّى وَصَفَه الصَّادق المصدوق ج بقوله: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». إذا عرفت ذلك، سهل عليك تصوُّر فساد قلوب الجاهليِّين وعقولهم، لِمَا اصطبغت به أَدْرَان الجهل، والكفر، والشِّرك، والعناد.
إنَّ أعظم شاهد على فساد عقولهم هو غرابة دينهم، يتَّخذ الرجل منهم ربًّا يعبده: يتقرَّب إليه بأصناف القربات، يرجوه ويخشاه، يسأله ويستعينه، يدعوه ويستغيثه، وهذا الرَّب هو أحوج مخلوق إلى عابده المشرك الجاهليِّ، أتدري لم؟ لأنَّ هذا العابد المشرك هو الذي صنع الرَّبَّ المعبود: من حجر التقطه، أو خشب احتطبه، أو تمر جناه، وكثيرًا ما يجوع هذا المشرك، فيأكل ربَّه الذي لطالما عبده، وطلب منه أن يرزقه من طيِّب الطَّعام!! فأيُّ عقول أغرب من هذه العقول؟!
دلائل القرآن عن جهل وغياب الوعي لدى الجاهليون من قريش:
كان للجاهليين من قريش مظاهر تدل على قسوة القلوب، ومن أهم هذه المظاهر:
أن الرَّجل منهم يأخذه الحزن الشَّديد، ويَنْتَابه الكرب العظيم، لا لشيء، إلَّا لأنَّه رُزِق بأنثى لطيفة، وفي هذا يقول الله ﻷ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ ٥٨﴾ [النحل: 58].
نعم، إنَّها قسوة شديدة طمست مشاعر الإنسانيَّة؛ حتَّى قلبت موازينها رأسًا على عقب، فصار الخبر السَّار بالمولود الجديد؛ سببا للحزن الشَّديد. وليت الأمر وقف عند هذا الحد ولم يَزِدْ، كلَّا لقد شوَّهت الجاهلية شعور الحنان الأبويِّ؛ حتَّى صيَّرته وحشًّا بشريًّا ينتظر تلك الأنثى الجميلة تَدُبُّ على رجليها إليه لتعانقه، فيحملها ويحفر لها في رمضاء الصَّحراء فيدفنها وهي حيَّة تتألَّم. قال تعالى: ﴿يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ ٥٩﴾ [النحل:59].
ثانيًا: الجاهليون بغي وعدوان:
من مظاهر الجاهلية الأولى وغياب والوعي ارتكاز المبدأ الاجتماعيِّ فيها على قاعدة البغي والعدوان، فالظُّلم عندهم منهج حياة، بل أنشودة جميلة يتغنَّون بها، وهذا ما تناوله شعراء الجاهلية في هذا الوقت، وما يؤكد على فظاعة الظلم الذي كان يمارسه من يسمونهم بأشراف قريش. قصة قد روت عن أبي جهل مع الرجل الإراشي، وقد نقلها ابن هشام في سيرته ومضمونها باختصار:
قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إرَاشٍ بِإِبِلِ لَهُ مَكَّةَ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ أَبُو جَهْلٍ، ثُمَّ أَبَى أَنْ يُؤَدِّيَ ثَمَنَها، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَشَكَا إِلِيْهِمْ أَبَا جَهْلٍ، فَدَلُّوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ج اسْتِهْزَاءً بِهِ؛ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ ج وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ. فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ج، فَشَكَا إِلَيْهِ أَمْرَهُ مَعَ أَبِي جَهْلٍ، فقام رَسُولِ اللَّهِ ج وقَالَ: «انْطَلِقْ إلَيْهِ»، فانطلقا حَتَّى ضَرَبَ عَلَى أبي جهل بَابَ داره، فَخَرَجَ الظَّالِمُ مَذْعُورًا قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، فَقَالَ له رَسُولِ اللَّهِ ج: «أَعْطِ هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ»، قَالَ: نَعَمْ، لَا تَبْرَحْ حَتَّى أُعْطِيَهُ الَّذِي لَهُ، قَالَ: فَدَخَلَ، فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقِّهِ، فَدَفَعَهُ إلَيْهِ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ج، وَقَالَ للرجل: «الْحَقْ بِشَأْنِكَ».
لا يفوتك مقال رائع لكتاب ما لا يسع أطفال المسلمين جهله