تناول الباحث النشاط الاقتصادي في شبه الجزيرة العربية من خلال (النشاط التجاري، النشاط الزراعي، النشاط الرعوي، والنشاط الحرفي):
أولاً: النشاط التجاري:
مارس بعض أهل الحجاز التجارة بنشاط، وأولوها كل اهتمام لأنها كانت في نظرهم أشرف المهن وأعلاها قدراً، فأنشأوا لها الأسواق، ووفروا لها الأمن والسلام ونظموا قوافلها وهيأوا لها ما يلزم لحمايتها، وما تحتاجه قوافلها من زاد وخدمات، وشجعوها بعقد الائتلافات والعهود لتنشيطها وتوسيع آفاقها.
هذا وذر ابن هشام أن قريشاً سميت بقريش من التقرش وهو التكسب والتجارة، وكذلك أورد ابن كثير القرش: الكسب والجمع، قال الفراء ويه سميت قريش، ولكن كان هناك بعض العوامل التي ساعدت على ازدهار التجارة وتوسيع آفاقها في الحجاز خلال القرنين السابقين لظهور الإسلام وهي:
- زيادة الإنتاج الزراعي وتكوين فائض للتبادل، وارتباط الإنتاج الحرفي بسوق التبادل السلعي.
- تألف القبائل ونشوء تحالفات سياسية وإبرام اتفاقات تجارية فيما بينها من جهة، وبين حكام الشام وفارس والحبشة من جهة أخرى.
- تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن وفقدانها لاستقلالها السياسي نتيجة للاحتلال الحبشي عام 525 م فالساساني عام 575م.
- تنظيم الأسواق المحلية والموسمية العامة مثل (عكاظ، مجنة، ذو المجاز، سوق بني قينقاع، سوق بدر، وغيرها).
- انحسار النفوذ البيزنطي في شمال الحجاز والبحر الأحمر، وانحسار نفوذ الحبشة في منطقة البحر الأحمر عقب انسحابهم من اليمن عام 575 م، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة وبلاد الحجاز بخاصة.
ثانياً: النشاط الزراعي:
إن الطبيعة الجغرافية هيأت لجزء من سكان شبه الجزيرة العربية العمل بالزراعة، وكانت القبائل الفلاحية التي استقرت في الواحات والقرى لجبلية هي الأكثر التصاقاً بمهنة الزراعة، ومن منطلق أهمية الطبيعة الجغرافية في إملاء المهن على أصحابها إلا أن سكان الجزيرة العربية قاموا باستغلال كافة الطرق المتاحة لمقاومة الطبيعة القاسية، من خلال توسيع أعمال الري، حيث حفروا الآبار في الوديان والواحات واستغلوا المياه الجوفية القريبة من سطح الأرض، وأقاموا الحواجز في مواضع تجمع ميان الأمطار في الأودية وأنشأوا السدود، وشقوا قنوات ومجاري خاصة لجر مباه العيوب لسقي الحقول والبساتين.
ثالثاً: النشاط الرعوي:
تشكل البوادي معظم مساحة شبه الجزيرة العربية، ويعرف سكانها بالبدو وهؤلاء البدو الرحل يعملون في تربية المشاية والرعي حيث تعتبر الأنعام مصدراً لمعايشهم، ولا سيما الإبل، أما الغنم والخيل فتأتي بالمرتبة الثانية.
هذا وكانت الطبيعة الجغرافية والأحوال المناخية العامل الأهم في تحديد أنواع الماشية التي يمكن تربيتها، فالتبعية للظروف الطبيعية، والأحوال المناخية حددت أسلوب حياة ومعيشة البدو.
فالإبل على سبيل المثال استخدمها العرب في نقل بضائعهم لمسافات طويلة ومن وبرها يحيك البدو ثيابه، ويصنع خيمته وهم أهل الوبر، كما اتخذ العرب الإبل مقياساً للثروة والمال، وكان العرب يقيمون بها أثمان السلع والأشياء ويتعاملون به في تجاراتهم وفي أسواقهم، وبها يتم تقدير الديات والفدية والمهر.
أما بالنسبة للبقر فكان يربى في مناطق اليمن حيث الخضرة أكثر من غيرها في مناطق شبه الجزيرة العربية، أما الضأن والماعز فهي المادة الرئيسية للناس باللحوم والصوف، وتربى في أنحاء الجزيرة، ويستفاد من ألبانها وجلودها، ويستخدم شعرها لصناعة الخيام، وكان أكثر من يربيها أهل الحضر، وذلك لعد قدرتها على تحمل المناخ الصحراوي، كما كان يربيها أهل الواحات ونصف الرحل، وحيث يرتحلون تاركين بعض أفرادهم لحراسة الحقول التي يعودون إليها في موسم الحصاد.
رابعاً: النشاط الحرفي:
كان من العوامل الرئيسية التي ساعدت على تطور الحرف في شبه الجزيرة العربية تنوع حاجات العرب إلى السلع المختلفة وتوافر الخامات المحلية ونمو الزراعة وتوسع الحركة التجارية، وتوظيف المهارات والخبرات المحلية والمستوردة.
هذا وكان يعمل في هذه الحرف الرجال والنساء من الأحرار والرقيق وكانوا يستخدمون وسائل بدائية وتزايد عدد العاملين فيها إلا أنهم لم يصلوا إلى عدد العاملين في الأعمال الزراعية أو تربية الماشية، ومن أهم هذه الحرف الآتي:
- الحرف المعدنية والاستخراجية.
- حرفة الغزل والنسيج.
- الدباغة والصناعات الجلدية.
- الصناعات الغذائية.
- صناعة الفخار والأواني الفخارية.