اسْتراتِيجيَّة الحِوار
تَستَنِد استراتيجية الحوار والمناقشة على المواقف الاجتماعية التي تجرى فيها العديد من المناقشات الحوارية، وصياغة جماعية حول موضوعات الدروس، حيث تساعد على تعزيز الفهم، وتعزيز التعليم الحقيقي من خلال إكْساب الطلاب العديدَ من مهارات التفسير، والتحليل، والمقارنة، ومهارات التفكير الناقد، والقدرة على حلِّ المشكلات، وغيرها، كما أنها تنقل الطلاب من المواقف السلبية إلى المواقف الإيجابية نتيجةَ الابتعاد عن التلقين والحفظ، والاعتماد على الفهم والاستيعاب، والاتجاه نحو المشاركة الإيجابية بالخبرات والأفكار في العديد من المجالات التعليمية والتربوية (حميدان، 2020، ص.2517).
وسوف نتناول في هذا المقال جوانبَ اسْتراتِيجيَّةِ الحوار من خلال عرْضِ بعضِ النقاط الهامة، وهي كالتالي:
- أسس استراتيجية الحوار.
- مراحل استخدام استراتيجية الحوار.
- مميِّزات استخدام استراتيجية الحوار في التدريس.
- سلبيَّات استخدام استراتيجية الحوار في التدريس.
أولاً- أساسيَّات استراتيجية الحوار:
يُعتبر الفيلسوف اليوناني سقراط هو أول مَن اسـتخدام اسـتراتيجية الحـوار، حيـث تقـوم هـذه الاستراتيجية على مرحلتين هما:
-
المرحلة الأولى (وتدعى مرحلة التهكم):
كان يستخدمها سقراط من خلال زعزعة ما في نفس صـاحبه مـن اليقـين الـذي يعتقده ويؤمن به. فكان سقراط يسير في أنحاء طرق أثينا عاصمة اليونان مدعياً الجهل وعدم المعرفة، وأن شـعوره بهـذا الجهـل يدفعه إلى البحث والتقصِّي عن الحقائق والمعارف عن المعرفة حيثما كانت، وكان سقراط يتحدث مع صاحبه في أي مشكلة تـأتي عرضاً في حـوارهما، فيحاور سـقراط صاحبه ويناقشه عن طريق البحث والتحليل حتى يتبيَّن لصاحبِه خطؤُه، وينتهي به الحوار بالوصول إلى حقيقةٍ ثابتة لا تقبل الشك في صِحَّتِها أو نقْدها.
-
المرحلة الثانية (وتدعى مرحلة توليد الأفكار):
تُعتبر المرحلةَ التي يصل إليها سقراط مبيِّناً لصاحبه مقْدارَ عجزه عن كشف الحقيقة، وذلك من خلال قيام سقراط بطرح العديد من الأسئلة على صاحبه حتى تنكشف من خلالها الحقيقة النهائية، وهذا ما دَفع سقراط إلى القول: "بأنه كان يولِّد الأفكار من محاوريه، كما كانت أمـه تولـِّد الجنـين من الحوامل".
ثانياً- مراحل استخدام استراتيجية الحوار:
عند استخدام المُحاور لاستراتيجية الحوار يجب أن يمر بثلاث مراحل، وهي:
- مرحلة اليقين الخاطئ
- مرحلة الشك
- مرحلة اليقين بعد الشك
وسوف نتناولها بالشرح كالتالي:
1- مرحلة اليقين الخاطئ:
هي مرحلة اليقين الذي لا أساس له من الصـحة، وهـي مرحلـةٌ الغرضُ منهـا إظهـار مدى جهلِ الخصم بالمعرفة الحقيقية، بسبب قبوله للأفكار واقتناعِه بها دون أن يلجأ إلى العقل والمنطق والفهم السليم الناضج.
2- مرحلة الشك:
هي حالـة التردُّد والحيْرة والارتباك التـي يعيشـها الخصـم نتيجـةَ أسـئلةِ المُحَـاور، فيبدأ الخصم بالتشاؤم ويأخذه الغضـب فتظهـر عليـه الحِـدَّة والعصـبية، ومن ثم يقوم المحاور بمقابلة هذا التعصب والغضـب بالصـبر الجميـل والهـدوء المُتـَزِن، وهـو يتـدرج بالخصم إلى حقيقـة الموضـوع بـالرأي الصائب، ولا يزال المحاور على ذلك حتى يشعر الخصم بالضعف، ويوقن بأنه جاهـل مغـرور، وتبـدأ لديـه الرغبة في التخلص من الجهل، ومن ثم تظهر عليه الرغبة الشديدة في طلب العلم وكشف الحقيقة والمعرفة.
3- مرحلة اليقين بعد الشك:
هي مرحلة تنمِّي رغبة الخصم إلى البحث من جديد في الحقيقـة الصـحيحة للمعرفـة، بعـد أن أصـبحت معرفته السابقة عن الموضوع باطلةً وقد اقتنع بفسادها، وبطلانِ حججها وبراهينها، ليصل بذلك إلى اليقين الثابت بالحقائق الجديدة بعد الشك المضطرب بثقافته السابقة، وبذلك فإن هذه المرحلة تقوم على أساس الإدراك العقـلي المنطقـي، ولـيس عـلى أسـاس التصـديق وتقبُّل الأفكار والمعلومات كما هي دون التحقق منها وإثبات صحَّتها.
ثالثاً- مميزات استخدام استراتيجية الحوار في التدريس:
هناك العديدُ من المميزات التي تتميَّز بها استراتيجية الحوار في عمليتي التعليم والتعلم وهي كالآتي:
- تنزع الغرور والكبرياء من نفس الطالب، وتجعله أكثر تواضعاً في علمه وتعلمه.
- يعتاد الطالب على تعزيز إجاباته وثقته بالمعرفة من خلال التقصِّي وإسناد الحجج والبراهين لإجاباته.
- تحثُّ الطالب على التعلم وتدفعه لاكتشاف المعرفة والمداومة عليها.
- تجعل المعلم على دراية ومعرفة بكل حاجات الطلاب ودوافعهم للتعلم.
- يتدرج المعلم مع الطالب حيثما كان مستوى معرفته وثقافته بموضوع التعلم.
- مراعاة الفروق الفرْدية بين الطلاب والفروق العمُرية، ومدى قدرتهم التحْصيلية للعلم والمعرفة.
- تساهم بشكل كبير في استثارة عقل الطالب، وتشجيعه على نقض كثير من الأخطاء والسلبيات الشائعة في مجتمعه والبيئة المحيطة به بطريقة علمية سليمة.
رابعاً- سلبيَّات استخدام اسْتراتِيجيَّة الحِوار في التدريس:
على الرغم من وجود العديد من المزايا لاستراتيجية الحوار ومدى فاعليتهـا التربويـة، إلا أن هنـاك بعـض السـلبيات تعوق دورهـا في عملية التعلم والتعليم، ومن هذه السلبيات:
- عدم مشاركة العديد من الطلاب في الحوار مع المعلم، بداعي الخجل أو ضعف الثقافة والمعرفة لديه.
- تمسُّك الطالب بالثقافات السابقة له تجعله يَنفِر من إقدام الآخرين من تعديلها حتى ولو كانت خاطئة.
- تتطلب استراتيجية الحوار أن يكون المعلم المُحاور بارعاً في إدارة الحوار وذا ثقافة واسعة، وقليلا ما نجد هذا متوفرا في مجتمعاتنا التعليمية.
- استمراريَّة تغير وتطْويرِ المعرفة، مما يُصعِّب السيطرة على كامل مستجداتها من حيث الاكتشافات والاختراعات الجديدة من قبل المعلم المحاور.
مراجع يمكن الرجوع إليها
أبو شريخ، شاهر، (2008). استراتيجيات التدريس. الطبعة الأولى. دار المعتز للنشر والتوزيع. عمان. الأردن.
حميدان، رولا محمد محمود، (2020). أثر استراتيجية الحوار والمناقشة لتدريس التحدث باللغة الإنجليزية في تحسين مهارات التفكير العليا لدى طالبات الصف الأول الثانوي في الأردن. المجلة التربوية. العدد78. جامعة سوهاج. جمهورية مصر العربية.
نقوم بعرض العديد من المقالات التي سنتعرف من خلالها على استراتيجيات التدريس بجميع أنواعها ومنها ( استراتيجية الإدراك، استراتيجية الانتباه، استراتيجية الترميز، استراتيجية المناقشة، استراتيجية تسهيل التدريس، استراتيجية إدارة التدريس، وغيرها الكثير والكثير من الاستراتيجيات المختلفة).