يعدُّ التعليم الجامعي من المراحل التعليميَّة المتميزة في أي مجتمع، باعتبار أن هذا النوع من التعليم يقوم بمجموعة من الوظائف المهمَّة التي تتمثل في خدمة الفرد والمجتمع، والبحث العلمي، ونقل المعرفة والحفاظ عليها وإنتاجها، وتقديم التعليم المستمر، وأهميَّة الدور الذي يؤديه التعليم الجامعي في نقل الدول إلى مراحل متقدمة من النمو.
ويمر نظام التعليم العالي في العالم بمرحلة انتقاليَّة مهمَّة، ترتکز على تجويد نوعيَّة التعليم, والارتقاء بمخرجاته, ويرجع ذلک لطبيعة التحديات التي يواجهها هذا النظام والتغيرات العالميَّة وطبيعة المرحلة القادمة التي تتطلَّب إعدادا مرنًا للقوى العاملة الوطنيَّة يمکنها من امتلاک مهارات عالية تؤهلها للدخول لسوق العمل المحلي، والتنافس على المستوى العالمي, وتعدها لتکون قادرة على التعامل بفاعليَّة ومهنيَّة مع المعطيات الجديدة وعصر المعرفة (الربيعي, 2008م).
وعلى الرغم من الميزانيات الضخمة التي تصرف سنويًّا على نظام التعليم العالي والجهود التي تبذل من جانب الکثيرين, فإنه ما زال يعاني الکثير من المشکلات، يتمثل أصعبها في أن العائد المادي والمعنوي من التعليم العالي، سواءً على المستوى الفرد أو المجتمع، لا يتفق بأي حال من الأحوال مع ما ينفق عليه من أموال، وما يبذل في سبيله من جهد, الأمر الذي أدى إلى ضعف کفاءة مخرجات التعليم الجامعي, وعدم المواءمة بينها وبين احتياجات خطط التنمية, أما (عيسان, 2006م) فذکرت عددًا من التحديات والمعوِّقات، ومنها التقليديَّة، وضعف التقويم المستمر، مما يؤدي إلى ضعف الکفاءة الداخليَّة، وارتفاع نسبة الهدر.
ولقد بيَّن تقرير المؤتمر الثاني عشر للوزراء المسؤولين عن التعليم العالي في الوطن العربي وجود إشکاليات وتحديات تعوق الارتفاع بمستوى کفاءة التعليم العالي العربي وفعاليته، لعل من أهمها ضعف العلاقة بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل، وزيادة الکمِّ مقابل الکيف لمستوى التأهيل (العبيدي، 2009م, 78).
وانتهت الدِّراسَة التي أجراها البنک الدولي بعنوان: "الإصلاح في التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" عام 2007م إلى ضرورة تبني نموذج متکامل لتطوير التعليم يتکون من ثلاثة أبعاد: البعد الأول: يرکز على تطوير وتأکيد الجودة, والبعد الثاني: يؤکد وجود نظم حوافز, والبعد الثالث: يؤکد المحاسبيَّة. وأکدت الدِّراسَة أن هذه الدول اهتمت بالبعد الأول فقط, بينما أغفلت البعدين الأخيرين، ونتج عن ذلک فشل نظم هذه الدول في تحقيق أهدافها, بل تحقيق جودة التعليم ذاتها (جورج, 2011م, 308).
وفي ظلِّ هذا الواقع ظهرت المناداة بضرورة إخضاع الجامعات لمبدأ المحاسبيَّة، ووضع نظم فاعلة لمحاسبة النظام التربوي الجامعي عن مخرجاته ونتاجه, وهذا ما جعل المهتمين بالشأن التربوي يدعون إلى وضع معايير ومقاييس مناسبة ضمن نظام متکامل للمحاسبيَّة؛ من أجل تحسين نوعيَّة وجودة التعليم في الجامعات, وبحيث يوجه ويقيم تقدم الطلبة في تحصيلهم والجامعات في أدائها, ويضع الجامعة أمام مسؤولياتها للتحسين والتغيير (العمري, 2004, 42).
ويعتبر تقويم الأداء والمحاسبيَّة التعليميَّة من أهم متطلبات إصلاح الجامعات؛ لما يقدمانه من عناصر تدلُّ على جودة التعليم, وهو ما تسعى الجامعات العربيَّة عامةً, والمملکة العربيَّة السعوديَّة على وجه الخصوص, لتحقيقه؛ للارتقاء بمخرجات التعليم العالي، لتلبية احتياجات التنمية المستدامة, وإعداد مواطنين أکفاء مؤهلين علميًّا وفکريًّا تأهيلًا عاليًا (الجارودي, 2011, 72).
ولقد أکدت دراسة عبدالحميد (2003م) أهميَّة المحاسبيَّة التعليميَّة وجعلها، جزءًا من سياسة تطوير الجامعة, کما أکدت دراسة لايت (2007) أن تطبيق المحاسبيَّة التعليميَّة يؤثر بدرجةکبيرةفي الجودة التعليميَّة وتحسينها بصفة خاصَّةٍ في مستوى أداء التلميذ ومستواه التحصيلي, کما تحقق المحاسبيَّة التعليميَّة نوعًا ما من العدالة بين أعضاء هيئة التدريس, مع مراعاة ضرورة تطبيق معايير مضبوطة وأساليب مقننة للتقييم وموضوعيَّة وبعيدًا عن الذاتيَّة.
ومن ثمَّ يمکن القول بأن المحاسبيَّة التعليميَّة تشکل جهدًا قويًّا کأداة للإصلاح التربوي, کما أنها تمثل قوةً رئيسةً لتحسين الأداء الذي لا يقتصر على أداء الطلاب فقط, بل يمتد ليشمل تحسين أداء جميع العاملين في الحقل التربوي, وهذا يعني أنها تتضمن الرقابة على أداء الفرد أو أداء المنظمة, ومن ثم إصدار الحکم على مدى کفاءة أي منهما أو کليهما (هاشم, 2001, 33).
ومن ثم أصبحت المطالبة بالمحاسبيَّة التعليميَّة في التعليم العالي مطلبًا مهمًّا في التعليم الجامعي، على أساس أن الوصول إلى نظام تعليمي عالي الجودة لن يتحقق إلا إذا کانت الجامعة مسؤولة عن نتائجها, مما يدفعها إلى تطوير مهارات وأداء العاملين بها, ومن ثمَّ الارتقاء بأدائها ککل.