يناقش هذا المقال واحدة من أهم نظريات الذكاء التي ظهرت في أواخر القر ن العشرين، وهي نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ، حيث نتناول أبعاد نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ، والتي كانت سبباً في تسميتها بنظرية الذكاء الثلاثي. كما نتناول طبيعة ومفهوم الذكاء من وجهة نظر ستيرنبرج ونظرية الذكاء الثلاثي.
لا شك أن الذكاء يعتبر من الموضوعات العامة التي حيرت الإنسان منذ القديم. فقد رأى أرسطو أن الأفراد يختلفون في الذكاء لاختلاف البيئات التي ينشأون فيها. بينما نظر أفلاطون إلى الذكاء باعتباره قوة فطرية تكسب الفرد القدرة على التعلم واكتساب الخبرات والمعارف. واستمر هذا الجدل بين الفلاسفة وعلماء النفس حول طبيعة الذكاء وتعريفه والعوامل المؤثرة فيه. فالبعض يرى أن الذكاء قدرة فطرية، بينما يراه آخرون مكتسباً، ويراه فريق ثالث نتاج تفاعل العوامل الوراثية مع العوامل البيئية. ويرى البعض أن الذكاء عبارة عن قدرة واحدة أو له طبيعة واحدة، بينما يرى أصحاب نظرية الذكاءات المتعددة أن مفهوم الذكاء يشتمل على عدة قدرات مختلفة ومنفصلة. وتعد نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ (Sternberg) في الذكاء واحدة من أشهر نظريات الذكاء في القرن العشرين. وتسمى أيضا نظرية الذكاء الثلاثي، وقد حاولت تفسير مفهوم الذكاء من وجهة نظر ستيرنبرج.
سعت نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ إلى تحليل بنية الذكاء اعتماداً على أساليب معالجة البيانات التي يستعملها الفرد في المشكلات المختلفة. واستطاع ستيرنبرغ أن يتوصل إلى نظرية الذكاء الثلاثي (Triachic theory of intelligence) حيث رأى ستيرنبرغ أن الذكاء الناجح يتكون من ثلاثة أبعاد:
أولاً: بعد المكونات العملياتية
وهذا البعد هو البعد الأهم في نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ، والذي يفسر مفهوم الذكاء من وجهة نظر ستيرنبرج. وهذا البعد يشير إلى العمليات المعرفية المحددة للسلوك الذكي عند الأفراد، وهذه العمليات هي:
- العمليات الماورائية: وتتضمن عمليات تحديد المشكلة، وصياغة الفرضيات واختبارها، وتقييم النتائج. وهنا يتجلى مفهوم الذكاء من وجهة نظر ستيرتبرج، حيث يرى أن الفروق الفردية بين الأفراد ترجع إلى اختلاف هذه العمليات فيما بينهم.
- العمليات الأدائية: ويعني بها ستيرنبرغ العمليات المعرفية المستخدمة في تنفيذ المهام، مثل: عمليات الإدراك الحسي واسترجاع الخبرات والذكريات.
- عمليات اكتساب المعرفة: وبحسب نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ فإن هذه العمليات تتمثل في عمليات الاستفادة من الخبرات السابقة، بالإضافة إلى تخزين المعلومات الجديدة.
ثانياً: البعد السياقي
وهذا السياق يشير إلى البعد البيئي الذي ينمو فيه السلوك الذكي، وبذلك ترى أن نظرية الذكاء الثلاثي لستيرنبرج فم تغفل أثر البيئة في إحداث وتكوين الذكاء. بل إن ستيرنبرج قد أشار إلى الصلة الوثيقة بين الذكاء وبين البيئة المادية والثقافية التي يعيش فيها الفرد ويتفاعل معها. وبحسب نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ.. فإن تفاعل الإنسان مع البيئة من حوله ينتج عنه ثلاثة أنواع من الذكاء هي:
- الذكاء الأكاديمي: وهو بحسب نظرية الذكاء الثلاثي لستيرنبرج يشير إلى قدرة الفرد على التعامل مع مع المشكلات الدراسية والأكاديمية، كالتحصيل الدراسي والمشكلات التي تتضمنها اختبارات الذكاء.
- الذكاء العملي: ويعني القدرة على التعامل مع أعباء الحياة اليومية والمشكلات الاجتماعية.
- الذكاء الابتكاري: ويشير إلى قدرة الفرد على إبداع حلول جديدة تساعده في حل المشكلات المختلفة والتعامل معها بكفاءة. وبهذا نرى أن مفهوم الذكاء من وجهة نظر ستيرنبرج يميل إلى اعتبار القدرات المتعددة في الذكاء، بدلا من اعتبار الذكاء قدرة واحدة.
ثالثاً: بعد الخبرات
وهذا البعد يمثل جانباً هاماً من جوانب نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ، حيث يتمثل في قدرة الفرد على ربط بين خبراته الخاصة وسلوكه الذكي، كما يشتمل على قدرة الفرد على الابتكار، ويتضمن:
- قدرة الفرد على ابتكار الحلول المختلفة، بغية التعامل مع المواقف والمشكلات الجديدة.
- قدرة الفرد على التعامل مع المواقف المألوفة بكفاءة وبأقل جهد ممكن.
خاتمة
لا شك أن نظرية الذكاء الثلاثي لستيرنبرج تعد واحدة من أهم نظريات الذكاء في القرن العشرين، والمطالع للأبحاث والرسائل المنشورة في علم النفس.. يرى عدة رسائل ماجستير عن الذكاء الناجح ونظرية ستيرنبرج، الأمر الذي يعكس اهتماماً كبيراً بنظرية الذكاء الثلاثي لستيرنبرج. وقد أردنا أن يكون هذا المقال مدخلاً إلى نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرغ من غير إسهاب ولا إيجاز. والله أرجو أن يكون نافعاً لقارئة وافياً بمقصوده.
مراجع يمكن الرجوع إليها:
- الزغول، عماد عبد الرحيم (2014) مدخل إلى علم النفس، دار الكتاب الجامعي، الطبعة الثامنة.