خطة البحث:
نعني بخطة البحث التصور الشامل الذي ينطلق منه الكاتب، في إعداد البحث وبنائه.
وعليه فإن وجود هذا التصور الجاهز مسبقاً مِن شأنه أن يُساهم في بناء بحث علمي موثوق، ولا يمكن الاستغناء عنه بحال.
وعلى هذا النَّحو يمكن قياس خطة البحث العلمي بالمخططات والشكليات التي يحتاجها المعماري لينطلق منها في عملية البناء، وليعرف طبيعة المَبنى الذي سيتعامل معه، وكيف يتدرَّج في إنجاز العمل، ولو أنه شرع في البناء دون تخطيط مسبق فسيكون عرضةً للفشل، خاصةً إذا كان المبنى الذي يتعامل معه مِن درجةٍ عليا، ويريد له صاحبُه أن يكون على قدر عالٍ مِن الدَّقَّة، ثم لا يربح شيئاً، بل تُحرقُ ثروتُه ومُقَدِّراتُه، وعليه -مع ذلك- أن يبدأ مِن جديد.
ما هي خطة البحث العلمي
ونستطيع أيضا أن نعرفها على أنها: مجموع الإجراءات التي يتخذها الكاتب وينتهجها؛ ليصل إلى صورة سليمة ونهائيةٍ للكتاب، أو العمل. كما أنه يمكن تشبيهها بالاشتراطات والمواثيق التي يلتزم بها طرفان معينان في عقد ما؛ إذا أهمية للتصريح بتلك المواثيق، ولا إعطائها اسما محددا، استنباطيا أو وصفيا، لأن هذه الشكليات لا يُعوَّل عليها كثيرا إلا بقدرِ ما تتضمنه مِن نتائج، لا في العبارات والعناوين.
ما هي عناصر خطة البحث العلمي
والتصور الذي ينطلق الكاتب منه في إعداد البحث مِن شأنِه أن يجعل العمل أكثر وضوحاً، ويُمتِّعَ الكاتبَ بحصانةٍ مِن الانتقادات والملاحظاتِ التي قد يضفُها المعنيُّون، وقد لا تكون ضرورية؛ إذ سيكون الكاتب في حلٍّ مِن ذلك إذا وضَّحَ المنهج الذي يتبعه، والمباحث التي سيتعرض لها، في البداية. إضافةً إلى أن هذا التَّصوُّر يعصمُ الكاتب مِن أن ينجرَّ وراءَ اختياراتِه الشخصية، فتكون نتيجة ذلك كارثيةً على المُتَلقِّين.
والكاتب قبل أن يشرع في الكتابة يسبح في فراغٍ محض، ولا يعرف مِن أين يبدأ ولا أين ينتهي، ولن ينفعه في ذلك إلا طرح خطةٍ بحثية توجِّهه، وتُسَدِّدُه.
تنقسم مستويات الخطة إلى ثلاثة:
المستوى الأول: محاولة وضع تصور أوليٍّ لخطة البحث؛ أي الاستعداد لطرح الخطة.
المستوى الثاني: الشروع الأول في الكتابة؛ ويعني البدء فعليا في بناء المادة حتى يمكن للكاتب أن يتصور طبيعة الموضوع، والمصادر المتوقعة، ونوع الخطوط والصفحات، ثم بعد ذلك يستطيع أن يحتفظ به بشكل نهائي، إذا كان سيقدمه لنيل درجة أكاديمية.
المستوى الثالث: وضع الخطة النهائية للعمل البحثي، وذلك بصياغة الخطة رسميا انطلاقا مِن التصورات السابقة؛ بعد اطلاع الكاتب على المراجع المتصلة بالموضوع، وجمعه للمادة، والاشتغال عليها بالتحليل والتصنيف. حينئذ يمكن للكاتب أن يضع خطته بشكلٍ رسمي، ويمكن لها حينئذ أن تكون ملائمة للبحث.
دور خطة البحث:
تساعد خطة البحث الكاتب في توجيهه أثناء الكتاب؛ مِن خلال القوالب والمحدِّدات التي تتضمنها الخطة، وما هي المضامين، وكيف ينبغي أن تكون، بالإضافة إلى تحديد مقصد البحث، والنتائج المتوخاة منه، وتحديد المصطلحات، وتحليل النظريات العلمية.
ما هي مكونات خطة البحث العلمي:
يحتاج الكاتب إلى خطة بحث محكمة ومضبوطة، تعينه على توجيه الدراسة، وما يتطلَّبه البحث مِن مواد علميةٍ، وأدوات منهجية، ولكنه لن يحصل على تلك الخطة إلا إذا توفرت فيها مكونات أساسية معينة؛ فينبغي أن تتصف بالمنطقية والسلامة، وأن تكون قابلةً للتطبيق، وأن تكون منهجيةً لا يُناقضُ بعضُها بعضاً، بل تتناسق وتتضافر، لتشكل رؤيةً معرفيةً صحيحةً ومقبولة.
ومِن شأن الخطة الدقيقة والمضبوطة أن تُفيدَ الكاتبَ في إنشائه، كما ستفيد المعنيِّين بالدراسة، وذلك مِن عدة نواحٍ: تساعد الكاتب في توجيهِ سير البحث العلمي، وتجسيد النتائج المرجوة منه، والحرص على أن لا يخرج عن الموضوع، ولا يصدر أحكاماً دون أن يبنيها على أسسٍ علمية، وليس للكاتب غنىً عن خطةٍ مِن هذا النوع؛ لكي لا يخلط بين المعايير المختلفة، أو يخرقَ الرؤيةَ التي ينطلق منها.
ولا شكَّ أن الخطة تساعدُ على الوصول إلى النتائج المبتغاة بأيسر طريقة ممكنة.
تعين الكاتب على تخيل الأوساط التي سيعمل فيها، والأدوات الاي سيحتاجها، والعوائق التي سيتعرض لها؛ وبالتالي يمكنه أن يقرر إذا ما كان سيقدم على هذا البحث، أم يؤجلُه إلى فرصة أخرى، وفي حال قرر الاستمرار فيه، فإن الخطة ستعينُه على أفضل الوجوه الاي يتعامل بها مع تلك العوائق، وترشده إلى الحد الأدنى مِن الخسائر.
الخطة توفر على الكاتب إمكانياتِه كلها؛ فالذي يرسم خطة واضحة، وشاملة، لن يجد نفسه -في الغالب- مضطرا إلى إنهاء عملية البحث، أو البدء مِن جديد؛ وبالتالي توفر عليه الخطة ما كان سيخسره مِن الجهود والأموال، خاصةً إذا كان البحث يتضمن تنقلاً وحركة مستمرَّيْن.
الخطة كذلك تعصم الكاتب مِن أن يقع تحت طائلة اللوم مِن قبل أستاذ مشرف، أو لجنة مشرفة، يريدون منه زيادةً عن الحدِّ الذي يراه مناسباً، وقد لا تكون له مصلحة في تلك الزيادة.
تعين الخطة الكاتب والجهاتِ المعنيَّة على تبيُّن أهمية الدراسة التي هي بصدد التنفيذ، وما هي جدوائيتُها، وهل هي ملائمةٌ للكاتب، والمنهج الذي يعتمده.
مكوِّنات خطة البحث:
تشتمل خطة البحث على مكونات عديدة، بعضها رئيسي وبعضها فرعي، وتؤثر طبيعة الدراسة على المكونات الفرعية؛ حيث تختلف باختلافها، أما بالنسبة للمكونات الرئيسية فلا تؤثر طبيعة الدراسة عليها، مِن ناحية المضمون على الأقل، وإن كانت قد تؤثر عليها من ناحية الشكل، حيث إن بعض البحوث خاصةً تلك التي تعدها المكتبات لا يُشترط فيها تخطيط ولا تفصيل كبير، بل قد تتعرض للاختصار في مكنوناتها، حتى في المكونات الرئيسية، وبصفة عامة فإن خطة البحث العلمي تتألف مِن هذه المُكوِّنات التالية:
- العنوان: وينبغي أن يعطي انطباعاً شاملا عن العمل.
- المقدمة: ومن خلالها يستطيع الكاتب أن يتعرَّض لموضوعِ البحث مِن الناحية التاريخية، وما دواعي البحث فيه، وما الذي سيقدمه الكاتب.
-صياغة الأطروحة: يستطيع الكاتب هنا أن يتعرض بالشرح لموضوعِ البحث، وما هي طبيعتُه. والمنهج الذي سيتخذه الكاتب خلال البحث.
- الدراسات الأقدم: يستطيع الباحث في هذه المكوِّنة أن يتعرض للدِّراسَاتِ المتقدِّمة، وما إذا كانت قدَّمتْ نتاجاً معرفياً يتعلَّقُ بالموضوع، وما الذي ستضيفه هذه الدراسة مِن ما غاب عن السابقات.
-مجال تحرك البحث: قد تقتضي عمليَّةُ البحث مِن الكاتبِ أن يغطِّي مجالاتٍ جغرافيةً وبشريةً يعجزُ عنها، أو لا تتوفر له الإمكانيات اللوجستية الكافية لتغطيتِها، ولا ليتحرك في الميدان؛ وهذه المساحة التي سيغطي تشمل الأماكن الجغرافية التي تنصب الدراسة عليها، والعنصر الذي قد يكون موضوع البحث.
-الغاية من البحث: على الكاتب أن يوضح أهداف البحث، والغايةَ التي ينشدها مِن إعداده، ويلزم أن تكون تلك الأهداف موضوعيةً ومميَّزة.
-النظريات التي ينطلق منها البحث.
-تفكيك المصطلحات إجرائيا.
-قيمة البحث.
-المجال الجغرافي الذي سيكون موضوع البحث: وهو يتوقَّف على الهدف مِن البحث.
-المنهج المتَّبع: يُبيِّن الكاتبُ المنهج الذي يتبعه في التحليل والنقد، هل هو تاريخي أم وصفي مثلا؟، وهل يعتمد على خطوات علمية معينة، مثل الفهم والملاحظة والتجريب.
-طبيعة العينات، وطرقُ جمعها، ومقاديرها، وأحجامها.
-أدوات البحث: الوسائل التي يستعين بها الكاتب، وينبغي أن تتلاءم مع منهج البحث.
-الاستفادة مِن المعطيات التي تجمع من خلال تحليلها إحصائيا.
-الفترة الزمنية التي سيحتاجها البحث، ويستطيع الكاتب أن يصنفها على هذا النحو:
-فحص المادة التربوية، وانتقاء موضوع معين.
-صياغة الأطروحة وبناء خطة البحث.
-تسخير الوسائل والتجارب الأولى.
-التحرك في الميدان وتجميع المادة.
-الشروع في كتابة الموضوع.
-إكمال البحث.