هذا المقال مدخل إلى نظرية المعرفة أو الإبستمولوجيا نتناول فيه أهمية نظرية المعرفة، ثم نشرع في بيان مباحث النظرية، وأول القضايا التي تعالجها وهي: طبيعة المعرفة، فهذا المقال يعد بمثابة مدخل إلى نظرية المعرفة، وبياناً موجزاً لآراء المدارس الفلسفية وإجابات الفلاسفة عن السؤال المعرفي التالي: ما طبيعة المعرفة بغض النظر عن نوع الحقيقة المعروفة؟
مما يدل على أهمية نظرية المعرفة أنها تمثل الأساس الذي تقوم عليه كافة المعارف الإنسانية في شتى المجالات، فنظرية المعرفة أو الإبستمولوجيا تحاول الكشف عن ماهية المعرفة وطبيعتها، وما هي حدود المعرفة؟ وهل يمكننا معرفة الأشياء على ما هي عليه؟ وكيف نكتسب معارفنا؟ وما هي مصادر المعرفة؟ لذا فإن اعتماد التجارب السريرية مثلاً دليلاً تقوم عليه الممارسة الطبية يرجع أصلاً إلى اعتماد التجربة والحس كمصدر من مصادر المعرفة، وفي المقابل إذا رأى أحد الأطباء حلماً يرشده إلى علاج أحد الأمراض باستخدام دواءِ ما.. لم يجز له أن يستعمل ذلك الدواء، ولو وصفه لمريض لكان مجرماً مستحقاً للعقاب أمام القانون؛ فإن الأحلام ليست مصدراً من مصادر المعرفة، وهذا مما يدلك على أهمية نظرية المعرفة بوصفها أساساً لبناء المعارف الإنسانية بصفة عامة.
والمعرفة هي أحد المباحث الأساسية التي تقوم عليها الفلسفة، فالفلاسفة منذ القديم أعملوا عقولهم في مسائل المعرفة والجمال والحسن والقبح والأخلاق، وقد يحسب البعض أن نظرية المعرفة أو الإبستمولوجيا من المباحث الفلسفية المتخصصة التي لا يتأتى العلم بها لجميع الناس، والحق أن أهمية نظرية المعرفة لا تخفى، ولا بد لجميع الناس من فهمها بوصفها الأساس الذي يمكن من خلاله قبول العلوم والمعارف والتعامل مع هذه العلوم، بل والتعامل مع الحياة بصفة عامة، فكما يروي أفلاطون في محاوراته كان في زمانه طائفة يسمون أنفسهم السفسطائيون أو السفسطائية، وقد أنكروا كل الحقائق البديهية والمعارف الأساسية، ومن ذلك أن ينكر أحدهم العلم بوجوده أو عدمه، وادعوا استحالة العلم بالأشياء أو حقائقها، وأنه لا دليل على أن 1+1=2 وغير ذلك من الضلالات العقلية التي أفسدت الحياة العقلية والاجتماعية، وبذلك أصبحت حياة هؤلاء السفسطائيون بعيدة كل البعد عن الحياة العقلية السوية، وهو ما حدا بالفلاسفة، وعلى رأسهم أفلاطون وأرسطو، إلى محاورتهم بعد النظر في أصل المعارف، ليقدموا رؤيتهم لحقيقة المعرفة وحدوها ومصادرها، وبالنظر إلى أهمية نظرية المعرفة.. نقدم هذا المقال بمثابة مدخل إلى نظرية المعرفة، نتناول فيه أهمية نظرية المعرفة وطبيعة المعرفة.