البحث العلمي لمكافحة وعلاج كوفيد-19

كان عام 2020 حافلاً بالأحداث المختلفة من حروب وانقلابات وتجاذبات سياسية وعسكرية وكوارث بيئية وغيرها الكثير من المآسي التي حلت على رأس البشرية، لكن وباء كورونا كان الحدث الأهم وشكّل محور حديث الاجتماعات الحكومية الدولية والمحلية وحتى حوارات المجتمع المحلي وجلسات العائلات والأصدقاء، وكان المحور الرئيس للبحث العلمي في الجامعات والمختبرات العلمية، وقضية رئيسة تغذي جدالات الوسائل الإعلامية.

سنتذكر في هذا المقال أهم الآراء العلمية والأساليب التي ساهمت في مكافحة وعلاج كوفيد-19 ، من تباعد اجتماعي إلى مناعة جمعية انتهاءً باللقاحات وأدوية العلاج المقترحة.

لماذا التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي؟

في بداية جائحة كورونا تعالت الأصوات العلمية التي تنادي بالتباعد الاجتماعي وتطبيق الحجر المنزلي كوسيلة لكبح جماح فيروس كورونا ومكافحة انتشاره.

ربما يقلل الكثير من أهمية هذا الإجراء في مقاومة انتشار الفيروس دون علمهم بما قدمه للقطاع الصحي من مساعدة ودعم في التخفيف من حدة الإصابات. تأتي أهمية التباعد الاجتماعي في التقليل من عدد الإصابات بما يتناسب وقدرات القطاع الصحي واستيعاب المشافي في كل دولة، ولو استمرت الحياة بشكل طبيعي دون إغلاق وحجر ستصل أعداد الإصابات للذروة بشكل سريع بما يفوق قدرة المستشفيات، وبالتالي يخرج القطاع الصحي عن السيطرة وتتزايد أعداد الوفيات وتعم الفوضى في المجتمع وتتعطل مفاصله.

الهدف من التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي هو تسطيح منحني الإصابات وعدم الوصول إلى الذروة التي تفوق قدرة النظام الصحي مما يوفر العناية الطبية المناسبة لكل مصاب.

توضح هذه الأشكال التي عرضتها صحيفة واشنطن بوست كيف يؤثر التباعد الاجتماعي والحجر الصحي على منحني الإصابات، وشكل المنحني المرغوب من أجل استيعاب مصابي كورونا دون ضغط على قدرات النظام الصحي وموارده.

لماذا لم تطبق المناعة الجمعية Herd immunity ؟

تعني المناعة الجمعية أن أغلب أفراد المجتمع أُصيبوا بالفيروس ولديهم مناعة ضده مما يمنع انتشار الفيروس في الموجة الثانية منه. بعد إصابة معظم الناس بالفيروس في دولة معينة سيتوقف انتشار الفيروس وينحسر لأن أجسامهم كونت مناعة طبيعية ضده ولن يصابوا مرة أخرى به وبالتالي لن ينشروا العدوى مما يجعل انتشار الوباء بطيء ويقلل من فرص وصوله للناس السليمين لنقول أن لديهم مناعة جمعية.

حسب الدراسات العلمية؛ كل مريض بفيروس كورونا يستطيع أن ينقل العدوى ل 2.4 شخص من حوله، وبالتالي لتحقيق المناعة الجمعية يجب أن يصل عدد الإصابات إلى 60% من العدد الكلي للسكان.

من الأمثلة الشهيرة عن المناعة الجمعية هي الإنفلونزا الإسبانية حيث توقف انتشارها عند نسبة إصابة 50%، ويوضح هذه الشكل كيف أن المناعة الجمعية تقلل من انتشار الفيروس في الموجات المقبلة.

لكن يبقى هذا الحل الذي طرحته بريطانيا على لسان رئيس وزرائها جونسون حلاً انتحارياً من الصعب تطبيقه ففي مثال الإنفلونزا الإسبانية تم الوصول للمناعة الجمعية لكن بعد ملايين الوفيات وهو مالا نريده في حالة كورونا، لكن في بريطانيا ومع تزايد أعداد الإصابات بشكل كبير وعدم القدرة على حصر كل المخالطين للمصابين، ونتيجة الآثار السلبية للإغلاق على الاقتصاد والمستوى المعيشي طرحت بريطانيا هذا الحل الذي لاقى رفضاً من المجتمع والمنظمات الصحية نظراً لأعداد الوفيات الكبيرة المتوقعة والدراسات المبشرة بقرب الوصول للقاح محتمل.

بين العلاج واللقاح:

لا يوجد حالياً علاج لكورونا ولا يتوقع أن يكون هناك علاج في القريب العاجل بسبب الوقت الطويل التي تأخذه عملية الوصول لعلاج يقضي على الفيروس في الشخص المصاب غير المحصن، والحاجة لاختبارات كثيرة من حيث تأثير العلاج على الوظائف الحيوية أو تسببه في أي ردات فعل تحسسية شديدة تعرض حياة المريض للخطر. ورغم هذا انتشر اسم دواء هيدروكسي كلوركين الذي يستخدم في علاج الملاريا كعلاج محتمل لفيروس كورونا وحاولت الكثير من الجهات تسويقه، واكتسب شهر واسعة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دولاند ترامب لاستخدامه الدواء بشكل شخصي، لكن لم يتم اعتماد الدواء بشكل رسمي من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وبالتالي لم تثبت فعاليته كعلاج لفيروس كورونا.

استخدم الأطباء بعض الأدوية التي تعالج أعراض الإصابة بفيروس كورونا وتخفف من حدتها، كالأدوية التي تعالج التهابات الجهاز التنفسي وآلام المفاصل وخافضات الحرارة، مما يخفف من وطأة وشدة المرض على المصاب ويزيد فرصة تماثله للشفاء.

ظهرت بارقة أمل مع إعلان فايزر الأميركية (Pfizer) و بيونتك الألمانية (BioNTech) وصولها للقاح فعال حقق فعالية عالية تصل حتى 95% بعد ورود البيانات النهائية في التجارب السريرية.

اللقاح هو فيروس ميت أو غير فعال أو جزء من الفيروس أو حتى فيروس من سلاسة مشابهة ضعيفة يُحقن طوعاً في جسم الإنسان السليم لتحريضه على إنتاج أجسام مضادة تكافح الفيروس وتقضي عليه، وبالتالي عند التقاط الشخص الملقح للعدوى مرة أخرى يتعرف جسمه على الفيروس مباشرة وتهاجمه الأجسام المضادة وتقتل الفيروس قبل تأثيره على جسم الإنسان.

تعد لقاحات الحمض النووي الريبي (RNA) هي اللقاحات حديثة نوعاً ما، التي تقوم على أساس إعطاء المعلومات الجينية للمستضد (antigen) عوضاً عن المستضد نفسه ومن ثم التعرف عن المستضد في خلايا المصاب الذي تم تلقيحه، وذلك باستخدام الرنا المرسال mRNA أو الرنا ذاتي التكرار RNA، وغالباً ما يتم إرسال الحمض النووي الريبي خلال الجسيمات النانوية الدهنية.

كما أن للقاحات الحمض النووي الريبي العديد من النتائج المبشرة خلال السنوات السابقة، حيث أن هناك الكثير منها في حيز التطوير مثل لقاح فيروس زيكاZika   أو الفيروس المضخم للخلايا (CMV)، وقد تم عرض نتائج جيدة لعدة لقاحات RNA من خلال ترشيحها من قبل Pfizer وModerna لمحاربة SARS-CoV-2، والتي حازت على تراخيص من عدة دول بعد ما تخطت كافة مراحل التجارب وذلك طبقاً لدراسة حديثة قد تم نشرها من قبل مجلة نيتشر (Nature volume 586, pages516–527(2020).

تحتاج عملية إنتاج اللقاح إلى ما يقارب السنة ونصف حتى التأكد من سلامة استخدامه وعدم وجود أي ردة فعل سلبية من الجسم البشري اتجاه اللقاح وفق معايير محددة واختبارات صارمة يحددها صندوق الغذاء والدواء في كل دولة، لكن في بعض الحالات تخضع عملية إنتاج اللقاح لبعض التسهيلات لتسريع وصوله للأسواق.

بعد أن أظهر اللقاح المشترك نتائج إيجابية تعاقد الرئيس الأمريكي في 22 يوليو 2020على 100 مليون جرعة بكلفة 1.9 مليار دولار أمريكي مع احتمال طلب 500 مليون جرعة إضافية في حالة اعتماد اللقاح وحصوله على ترخيص إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.

ومع اشتداد الإصابات في بريطانيا منحت الحكومة تفويض طارئ لشركتي Pfizer  وBioNTec في 2 ديسمبر 2020   لاعتماد اللقاح في المملكة، وبذلك تصبح بريطانيا أول دولة أوربية تصادق على اللقاح لتطعيم مواطنيها ضد فيروس كورونا.

حيث وزع اللقاح على المسنين الذي تجاوزت أعمارهم 80 سنة وللعاملين بالقطاع الصحي الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا في الخطوط الأولى في المشافي ومراكز الحجر، ثم تتالى إعلان الدول ككندا والسعودية والولايات المتحدة اعتماد اللقاحين في بلدانها ضمن خطة التصدي لكورونا.

تتجه العديد من الشركات إلى إيجاد اختبارات لفيروس كورونا سريعة ورخيصة يمكن استعمالها في المنزل دون مساعدة طبية. وجود اختبار سريع مدة نتيجته عشر دقائق سيؤثر كثيراً على حركة التجارة والإغلاق العالمية من عودة فتح الأسواق والحدود وحركة الطيران بين الدول دون الحاجة لانتظار يوم كامل لظهور نتيجة التحليل، وستقلل مثل هذه الأجهزة من انتشار العدوى أيضاً فالشخص المصاب سيعزل نفسه مباشرةً بعد تأكيد إصابته بالفيروس، واستطاعت شركة آبل بالفعل الوصول إلى جهاز يكشف الإصابة بفيروس كورونا خلال خمسة إلى عشر دقائق يحمل اسم" ID Now" الذي تم استخدامه في الولايات المتحدة الأمريكية وحقق قفزة في الكشف عن الفيروس.

تصادق الدول حالياً على لقاح Pfizer وModerna  مما يمنح العالم فرصة حقيقية للانتصار على كوفيد-19 والعودة إلى الحياة الطبيعية، يتم توزيع اللقاح في الدول الغنية فيما يبقى مصير الدول الفقيرة ومنها أغلب البلاد العربية مجهولاً تنتظر الفرج، لذا ننصحكم بالبقاء وأهليكم في منازلكم قدر الإمكان حتى وصول اللقاح إلى بلادكم.

المراجع:

https://www.technologyreview.com/s/61...

https://twitter.com/nntaleb/status/12...

https://twitter.com/DrEricDing/status...

https://www.straitstimes.com/asia/eas...

https://www.washingtonpost.com/graphics/2020/world/corona-simulator/

https://www.vox.com/2020/3/15/21180342/coronavirus-covid-19-us-social-distancing