تمهيد :
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أمّا بعد:
فإنّ عمليّة جمع المادّة العلميّة في البحوث والدّراسات العلمية من آكد المراحل البحثيّة لدى الباحثين واهل الاختصاص ، إذ تتمركز في الرّتبة الخامسة بعد الرّتب الآتية:
1. تحديد موضوع البحث.
2. الاطّلاع على الدّراسات السّابقة في البحث.
3. صياغة الفروض والإشكاليات.
4. وضع خطّة البحث العلمي وعناصرها .
ومن خصائص هذه المرحلة الهامّة نجد نظام الجذاذات، الذي يُتعبر آلية من آليات الجمع للمادّة العلميّة على اختلاف أنواعها، وتنوّع تخصّصاتها، ودورها واضح جليّ لمن خَبَرها واشتغل بها في تنظيم المادّة العلميّة، وتصنيفها وفق برنامج دقيق، يُمَكّن الباحث من اعتمادها، والرّجوع إليها متى شاء، وفي أيّ مرحلة أراد من مراحل بحثه وإن كانت طويلة.
لذا سنتعّرف في هذا المقال عن ماهيّة هذا النّظام، وعن الطّرق العمليّة في استثماره عند جمع المادّة العلمية.
1 تعريف نظام الجذاذات
هو نظام يعتمده الباحث في جمع مادّة بحثه عبر استخدام بطاقات مخصّصة لهذا الغرض، تدعى بالجذاذات، حيث يتمّ تقسيمها حسب أبواب، وفصول، ومباحث، ومطالب كلّ بحث، ثمّ تدوّن فيها المادّة العلميّة حسب كلّ قسم من الأقسام المذكورة، ولها وجه وبطن.
أمّا الوجه فيخصّص لتدوين المادّة العلميّة المقصودة بالجمع وهي نوعان:
النّوع الأوّل: المادّة المقتبسة
حيث ينقل الباحث النّص المقتبس كما هو من مصادره دون تصّرف منه، ويشترطُ في هذا النّوع الرّجوعُ إلى المظانّ الأصليّة للنّصّ موضوع البحث، دون النّقل بالواسطة سوى عند التّعذّر، مثلا لديّ بحثٌ في مادّة التّاريخ في مبحث العمران البشري وتطوّراته، وأريد أن أنقل نصّا عن ابن خلدون (732-808 هــ، 1332-1406 م) في هذه الجزئية، فمعلوم من أين أنقلها؟
مثلا أبحث في كتاب "المقدّمة" لابن خلدون، حسب الطّبعة المعتمدة، ويستحبّ أن تعتمد في البحث على طبعة واحدة متقنة، حتّى لا يقع لك خلط أو تيه أثناء مرحلة التّحرير، إلا في مرحلة متقدّمة من البحث، قد تعتمد طبعة بتحقيق مغاير إن وجدت فيها بعض الزّيادات المختلفة عن الطّبعة الأولى.
النّوع الثّاني: التّلخيص للنّص المقتبس
وهنا قد يعوزك أحيانا النّص المقتبس لنقله بطوله، فتعمد إلى تلخيصه، أو تلخيص فكرته، فتدوّن في الجذاذة التّلخيص مع توثيق المصدر، ويُشترط فيه ما اشتُرط في النّوع الأوّل من أصالة المصادر ما عدا حالة التّعذّر.
تنبيه
قد يضطّر الباحث إلى اقتباس مادّة بحثه من كتب غير مظّان العلم المبحوث فيه، مثلا قد نجد مباحث منطقيّة من صميم الدّرس المنطقي لدى أبي حامد الغزالي (450-505 هـ، 1058-1111 م) في كتاب "المستصفى"، ويستحبّ في ذلك قراءة مقدّمة المؤلّف، وفهارس الكتاب لتوفير الجهد والوقت، أو الاستعانة بالمشرف المتخصّص في علم المنطق في الدّلالة على مثل تلك الفوائد العلميّة التي توجد في غير المظانّ.
وأمّا بطن الجذاذة، فيتضّمن الملاحظات العامّة، وتختلف هذه الملاحظات حسب طبيعة ونوعيّة البحث، وكذا حسب شخصيّة الباحث، فقد تُدوّن في الملاحظات الاستدراكاتُ على المسألة المبحوثة، أو الاستدلالات والبرهنات على صحّة الفرضيات من عدمها، أو التّحليلات والاستنتاجات التي ظهرت للباحث، وكذا قد تدوّن أنواع الطّبعات المعتمدة، وبعض الأخطاء المطبعيّة، أو اللغويّة، أو الموضوعيّة، وحتّى المنهجيّة إن كانت لدى الباحث مدارك أوسع في التقاطها واكتشافها و يوجد مقال مخصص يشرح الملاحظة كطريقة لجمع البيانات و آخر عن الملاحظة في البحث العلمي تم تناولها بشيء من التفصيل وبيان المميزات والعيوب.
2 التّطبيق العمليّ لنظام الجذاذات
نقدّم بين يدي هذا المبحث فائدة هامّة تتعلّق بأهميّة الدّراسة البيبليوغرافيّة في جرد مصادر ومراجع موضوع البحث المدروس والمتمثّلة في المصادر والمراجع العربية والأجنبية إن كانت مقصودة في البحث، وينظر حينئذ في التّرجمات الصّحيحة المرخّص لها من قبل صاحب النّسخة الأصل إن تعذّر قراءتها بلغتها الأصل، أو إن قرّر الباحث ترجمة أجزاء تناسب بحثه، فليُشر لذلك في هامش البحث مع ذكره لمصدر التّرجمة ضرورة، ثمّ نجد الدّوريات الجامعية، والمنشورات، والبحوث، والدّراسات الأكاديميّة، وكذا المقالات العلمية المنشورة في المجلّات المحكمة، والمواقع الإلكترونية الموثوقة، فلكلّ منها صيغة معيّنة في التّوثيق حسب نظام الجمعية الأمريكيّة السّيكولوجيّة (APA)، لما لذلك من أهميّة عظمى في استقصاء وحصر مجال البحث, وقد قامت شركة دراسة لخدمات البحث العلمي و الترجمة بإصدار دليل مجاني يشرح أهم الاختلاف بين الاصدار السادس و السابع من دليل التوثيق APA 7th edition يمكنكم تحميله مجاناً بالضغط على دليل التوثيق APA 7th edition.
وفي هذا الموطن يمكن الاستعانة بفهارس وأرشيف المكتبات سواء المحلّيّة لكلّ بلد، أو السّفر إلى البلدان الأخرى إن عدمت في بلد الباحث لمن له إمكانية لذلك، ويفضّل الاستعانة بالخبراء في مجال التّخصّص للدّلالة عليها دون عناء وإن من ابرز الشركات المتخصصة في تقديم تلك الخدمات هي شركة دراسة لخدمات البحث العلمي و الترجمة، وقد تجدها عن طريق النّسخ الإلكترونية بعد الطّلب.
ففي هذا العصر بتوفيق الله تعالى توفّرت إمكانيات هائلة لهذا الغرض لم تكن متوفّرة لدى الباحثين القدامى.
ثمّ بعد هذا الجرد والحصر، تقوم بتهيئة ظرف كبير تدوّن في ظهره "عنوان البحث" بكامله، واسم الباحث والمشرف، ثم اسم الجامعة والسّنة الدّراسية، مع ذكر الشّعبة والتّخصّص.
في داخل هذا الظّرف الكبير تضع ظرفين متوسّطين أو أكثر حسب طبيعة بحثك، وفي ظهر كلّ ظرف تدّون اسم الفصل، مثلا لدينا عنوان البحث باسم: "العمران البشري وتطوّراته في عهد ملوك الطّوائف: الكتابة نموذجا، دراسة تحليلية"، هذا ما يوجد لديك في الظّرف الكبير، وفي الظّرف المتوسّط تدوّن في ظهره الآتي:
الفصل الأوّل: العمران البشري: تعريفه، خصائصه وأنواعه.
ثمّ داخل هذا الظّرف المتوسّط يوجد ظرف صغير، تدوّن فيه مبحثا من مباحث هذا الفصل الأوّل، فتكتب في ظهر الظّرف الصّغير الأوّل: تعريف العمران البشري، وهكذا إلى أن تجتمع لديك جميع أظرفة المباحث بما فيها من محتويات الجذاذات الخاصّة بها، مثلا: 100 جذاذة، أو أكثر حسب كّل باحث، فتضع ذلك الظّرف أو تلك الأظرفة الصّغرى في ظرف الفصل الأوّل إلى نهاية العمليّة.
والغرض من هذه التّقنيّة تسهيل عمليّة الجمع وتنظيمها، كي لا يقع لك خلط عند فرز وتصنيف هذه الجذاذات خلال كتابة المسودّة الأولى من البحث، فلنفترض أنّ عمليّة الجمع هذه أخذت منك ستّة أشهر، ووجدنا المحصّلة هي 1000 جذاذة، فكيف ستستعملها إن لم تقم بنموذج التّصنيف الذي ذكرته لك، أو ما يقوم مقامه؟
فانظر يا رعاك الله إلى أهميّة التّنظيم والتّرتيب في خدمة عمليّة جمع المادّة العلمية.
3 نموذج عمليّ لجذاذة بحثية
بعد هذا الشّرح لنظام الجذاذات وكيفيّة استثماره في جمع المادّة العلمية، بقي لنا التّمثيل بنموذج عملي لتتضّح لنا الصّورة أكثر، ونتعرّف عليه بالمعاينة وهو كالآتي:
وجه الجذاذة
كنية المؤلّف واسمه: عبد الله محمد رمضان.
سنة النّشر: 2015 م.
عنوان الكتاب: علم المنطق.
النّاشر: مكتبة أمير.
مكان النّشر: كركوك – العراق.
الصّفحة: 203.
رقم الجذاذة: (1).
|
|
"القياس الخطابي: تعريفه: هو ما تألّف من القضايا المقبولة أو المظنونة".
|
|
|
|
أو هناك نموذج آخر تضمّن فيه التّوثيق في متن النّص المقتبس هكذا:
الجذاذة رقم (1)
|
"القياس الخطابي: تعريفه: هو ما تألّف من القضايا المقبولة أو المظنونة" (عبد الله محمّد رمضان، 2015، ص: 203).
|
|
|
|
|
ثمّ تذكر باقي التّفاصيل المتعلّقة بالمصدر في مذكّرة الدّراسة البيبليوغرافية لتلحقها بقائمة المصادر والمراجع عند التّحرير.
بطن الجذاذة
الملاحظات
|
يمكن للباحث أن يدوّن تعليقا على هذا النّص إمّا بالشّرح، أو التّعقيب، أو الاستدراك، أو التّوسّع في الفكرة وتحليلها، أو المقابلة بينه وبين النّصوص الأخرى في مبحثه، وهلمّ جرًّا...
|
|
|
|
ولا بدّ هنا من اعتبار التّرتيب المتعارف عليه في التّوثيق، وهو المشهور عند جمهور الباحثين في العلوم الإنسانية كالآتي:
1. كنية المؤلّف واسمه.
2. سنة النّشر.
3. عنوان الكتاب وتحته خطّ.
4. النّاشر.
5. مكان النّشر.
6. الصّفحة والجزء إن وجد.
ثم الحرص على ضمّ كلّ جذاذة عند الفراغ منها للظّرف المناسب لها من الفصول مباشرة، والله الموفّق للصّواب وحده.
المصادر:
1. الدّكتور علي ربيعة عبد العزيز بن عبد الرّحمن. (1433 هـــ - 2012 م). البحث العلمي حقيقته، ومصادره، ومادّته، ومناهجه، وكتابته، وطباعته، ومناقشته. الطّبعة السّادسة. مكتب العبيكان. الرّياض – السّعودية، 1/139-167.
2. غرايبه فوزي وآخرون. (سنة: 1997 م). أساليب البحث العلمي في العلوم الإجتماعية والإنسانية. بدون طبعة. عمان – الأردن -، ص: 27-29.
3. https://www.ajsp.net/research/apa_citation_format_example.pdf