علم الاجتماع
يعبر علم الاجتماع عن دراسة ما يحتوي عليه المجتمع من عناصر وظواهر، وعلم الاجتماع أيضاً يهتم بالبحث حول علاقات الأفراد ونظم وبنية المجتمع وتحليلها، كما أن الغرض من علم الاجتماع الوصول إلى الوظيفة التحليلية التي تؤديها هذه الظواهر الاجتماعية، ويتناول المقال الحالي استقلالية علم الاجتماع من أقسام علم الاجتماع والظواهر الاجتماعية التي تحكمه بأسلوب يتبع أسس البحث العلمي.
المعارف الإنسانية ووضع علم الاجتماع بينها:
يمكن تقسيم علم الاجتماع إلى ثلاثة أنواع (معرفة حسية، ومعرفة فلسفية، ومعرفة علمية)
-
المعرفة الحسية: وهي المعرفة المجردة بأبسط الظواهر المتواجدة في المجتمع، معتمدين في ذلك على حواس الإنسان الطبيعية التي زودنا بها الله سبحانه وتعالى وهي (الإبصار، والسمع، واللمس، الشم، والتذوق)، وهذا النوع من المعرفة تبدو قاصرة في محيط التفكير النظري، فهي لا تستطيع تقديم تعليل للظواهر وتحتوي على تناقضات فيما بينها، وعلى الجملة فهي بعيدة عن الموضوعية.
-
المعرفة الفلسفية: فهي مرحلة أرقى من السابقة لأن الأمور المكتسبة بالملاحظة البسيطة تحتاج إلى تفسير أو تعليل فكري مقبول، وتحاول الفلسفة دراسة العالم الطبيعي وما وراء أي عالم (الميتافيزيقي)، فتبحث عن وظل القياس الأرسطوي (المنطق الصوري) هو المنهج المتبع في التكفير الفلسفي أكثر من عشرين قرنا من الزمان.
-
المعرفة العلمية: فهي تقوم على الأسلوب الاستقرائي induction الذي يعتمد على الملاحظة العلمية، وفرض الفروض، واختبارها بالتجربة، وجمع البيانات وتحليلها للتثبت من صحة الفروض أو عدم صحتها، ولا يقف العلم عند المفردات الجزئية التي يتعرض لبحثها، وإنما يحاول الكشف عن القوانين والنظريات التي تربط بين الجزئيات، والتي بواسطتها يمكن التنبؤ بما يحدث للظواهر مستقبلا إذا توافرت نفس الظروف.
وتنقسم المعرفة العلمية إلى ثلاثة أنواع:
-
العلوم الرياضية: وهي علوم تبحث في الكم المجرد الحسابي والهندسي مثل علوم الهندسة والحاسب والجبر، والمثلثات، والفراغية، ..الخ.
-
العلوم الطبيعية: وهي علوم تدرس جميع الموجودات الكائنة في الطبيعة التي خلقها الله جلت قدرته ما عدا الإنسان وتنقسم إلى نوعين:
-
علوم طبيعية حية: من أمثلتها علوم النبات، والحيوان، والحشرات، والطيور، والأسماك، وعلى الجملة تهتم بالمخلوقات التي تمتلك حسا، وقدرة على التأثر بعوامل البيئة.
- علوم طبيعية جامدة: كعلوم الطبيعة، والكيمياء، والفلك، والجيولوجيا.
العلوم الإنسانية: العلوم التي تدرس الإنسان من مختلف وجوهه ومختلف نشاطاته وتنقسم بدورها إلى نوعين:
- علوم تدرس الإنسان من حيث هو كائن فرد، كعلوم التشريح، وعلم النفس.
- علوم تدرس الإنسان من حيث هو كائن اجتماعي يعيش في مجتمع وذلك كعلوم الاجتماع، الاقتصاد السياسية، التاريخ، الجغرافيا، اللغة، الدين، القانون .. إلخ
خصائص الظواهر الاجتماعية:
وتمتاز هذه الظواهر بخصائص تميزها عن غيرها من ظواهر العلوم الأخرى، وأهم هذه الخصائص ما يلي:
- تعتبر الظواهر الاجتماعية بمثابة الوقائع الأمبريقية التي يمكن ملاحظتها في الحياة الاجتماعية، فهي عبارة عن قوالب وأساليب للتفكير والعمل الإنساني.
- تتعدى ما يشعر به الفرد لذا فإنها تعتمد على دراسة بشكل موضوعي خارج الزمان والمكان.
- تعتبر منحى حديث في حياة الفرد فالمنحى النفسي يشمل الحب والكره والتفكير والتخيل والمنحى البيولوجي يشمل الأكل والشرب والتنقل.
- تتأسس من الفعل ورد الفعل والصراع بين ضمير الفرد وعقله الجمعي من ناحية أخرى، فهي ليست من صنع فرد من الأفراد، ولكنها من صنع المجتمع ومن خلفه، وتنشأ بوحي من العقل الجمعي فيه.
- تمتاز الظواهر الاجتماعية بأنها مترابطة ومتداخلة، ويفسر بعضها البعض، فلا يمكن دراستها منفصلة عن بعضها، أو متفردة، فالأسرة كظاهرة اجتماعية مثلا مرتبطة بالظواهر الاقتصادية، والاقتصادية مرتبطة بالسياسية.
- تتصف بالعمومية والانتشار أي يشارك فيها معظم المجتمع، وأنها تاريخية بمعنى أنها سابقة في الوجود على الوجود الفردي، وتتسم بالجبر والقسر.
- ترجع الظواهر الاجتماعية للعديد من الأسباب وليس لسبب أو لعامل واحد، وقد أخطأ الكثيرون حين حاولوا تفسيرها بعامل جغرافي، أو سياسي، أو اقتصادي.
- الظاهرة الطبيعية نسبية ومتغيرة من حيث الزمان والمكان، فالزواج مثلا يختلف من حيث تطور أشكاله على مر العصور، كما أنه يختلف من مجتمع لآخر من حيث عدد الأزواج والزوجات، ومن حيث تقاليد الأفراح.
- الظاهرة الاجتماعية مكتسبة فيتم تنشئة الأفراد عليها داخل الأسرة والمجتمع، ومن تبادل الآراء واتصال وجهات نظرهم، وانصهار رغباتهم وإرادتهم.
- تمتاز الظاهرة الاجتماعية بصفة الجاذبية وهي صفة أضافها دور كايم ليرد بها على معارضة الذين اعتبروا أن وصف الظاهرة الاجتماعية بالجبر والالتزام لم يجعلها ثقيلة على الناس، لأن هناك إرادة أقوى من إرادتهم تتحكم فيهم، فقام دور كايم بالرد بأن الإلزام يقوم على أساس الجاذبية التي تشمل كل من
- لاشعورية: لأن الأفراد يعتادون عليها، ومتى اعتاد الفرد على شيء فإن هذا الشيء يصبح سهلا ميسورا، بل محبب إلى نفسه.
- شعورية: والتي تحدث من وقت إلى آخر في مناسبات بعينها مثل الأعياد والاحتفالات.
الاختلافات بين القوانين الطبيعية والاجتماعية:
لكن هناك وجوها للاختلاف بين القوانين التي التوصل إليها في كل من الظواهر الطبيعية والاجتماعية وأهم هذه الاختلافات يمكن حصرها في الآتي:
- أن القوانين الطبيعية تمتاز بالدقة. أما القوانين الاجتماعية فهي مرنة ولم تصل بعد إلى درجة دقة نظيرتها، وذلك لأن الأولى تم دراسة موضوعاتها منذ أمد طويل، بينما الثانية لازالت في النشأة والتكوين.
- أن العلوم الطبيعية تعالج مسائل يمكن ضبطها والتحكم فيها وعزلها عن غيرها ولذلك فالحقائق التي يتم التوصل لها تصدق في كل زمان ومكان، ويمكن إعادتها والوصول إلى نفس النتائج بنفس الدقة، بينما الموضوعات التي يعالجها علم الاجتماع موضوعات اجتماعية أي تخص الإنسان والمجتمع، والإنسان قد يخادع أو يجامل أو ينافق أو يكذب، وقد يكون مختلفا في نوعيته من حيث درجة التعليم، وطبقته، ودخله، ومهنته.
- أن الموضوعات الاجتماعية متغيرة، متداخلة مؤثرة في بعضها، يصعب فصلها، ولهذا فهي نسبية بعض الشيء، ونطاقها الزمني والمكاني محدود، ولا يمكن بحثها بنفس الدقة التي تعالج بها مسائل المادة.