يتناول هذا المقال نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف ويأتي مكملاً لسابقه الذي عرضنا فيه نشأة النظرية. (استراتيجية التعلم بالاكتشاف ونشأة نظرية برونر في النمو المعرفي) ويتناول هذا المقال مراحل التعلم عند برونر، ومميزات نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف، وأهم الانتقادات الموجهة إلى النظرية.
شهد القرن التاسع عشر والقرن العشرين محاولات عدة من علماء النفس والسلوك والتربية ابتغاء فهم العمليات العقلية والفكرية على نحو أفضل، مما يساعد في تحسين الذكاء البشري وقدرة العقل الإنساني على التعلم والتفكير ومواجهة المشكلات المختلفة. وقد أثمرت محاولاتهم العديد من النظريات التي تسعى إلى تفكيك البنية المعرفية وفهمها، والتي تنتمي إلى حقل علم النفس المعرفي وعلم النفس التربوي وعلم نفس النمو. ولعل أشهر نظريات النمو المعرفي: هي نظرية بياجيه في النمو المعرفي، والتي شكلت مصدر إلهام للعديد من العلماء من بعده مثل: أوزوبل ونظرية التعلم ذو المعنى. ومن أشهر علماء النفس الذين تأثروا بنظرية بياجيه: جيروم برونر، الذي أسس نظريته في النمو المعرفي وقسمها إلى مراحل مثلما فعل بياجيه. وقد رأى كل منهما أن مراحل النمو المعرفي التي يمر بها الطفل تتدرج من المحسوس إلى المجرد، إلا أن مراحل النمو عند برونر تختلف عنها عند بياجيه. وهو ما سنعالجه في هذا المقال، حيث سنتناول نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف ومميزات نظرية برونر والانتقادات الموجهة إليها.
مراحل التعلم بالاكتشاف عند برونر
سار برونر على خطى جان بياجيه في نظريته عن النمو المعرفي، فقد وافقه في وصف تقسيم عملية النمو المعرفي إلى مراحل، تتميز كل مرحلة بعدد من الخصائص. ففي نظرية برونر: التعلم بالاكتشاف.. استطاع برونر أن يصف ثلاث مراحل يمر بها الطفل أثناء النمو المعرفي، وهي: المرحلة الحكمية، والمرحلة التصويرية التقليدية، والمرحلة الرمزية.
- المرحلة الحكمية أو الحسية النشطة (The enactive stage): وهذه المرحلة - بحسب نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف - تعد أول مراحل النمو المعرفي والتعلم لدى برونر. ففي هذه المرحلة يتعلم الطفل مباشرة عبر الفعل، فالطفل حديث الولادة يبدأ في ممارسة الأنشطة الحركية المختلفة والتفاعل مع البيئة من حوله، لتبدأ عملية التعلم بالاكتشاف. حيث يشرع الطفل في استكشاف العالم من حوله عبر الحواس والحركات.
- المرحلة التصويرية التقليدية أو الأيقونية (The Iconic stage) : وفي هذه المرحلة لا يعتمد الطفل على الأنشطة الحركية والأفعال المباشرة بقدر ما يعتمد على الصورة. أي أن الطفل في هذه المرحلة يمكنه أن يتلقى المعلومات بغير الحاجة إلى أن تكون المعلومات في صورة أنشطة عملية تُجرى أمامه، الأمر الذي يعد قفزة هامة في النمو العقلي والمعرفي.
- المرحلة الرمزية (The symbolic stage) : وهذه المرحلة - بحسب نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف - تعد أعلى مراحل النمو المعرفي والتعلم لدى برونر. ففي هذه المرحلة يتمكن الأطفال من تحويل الخبرة إلى لغة، كما أن من الممكن أن يفهموا المعاني والدلالات عبر الألفاظ بدلاً من الصور. الأمر الذي يتيح للطفل إمكانية التفكير المنطقي العقلاني، والبحث عن حلول للمشكلات المختلفة.
مميزات نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف
- من أهم مميزات نظرية برونر في التعلم بالاكتشاف هو الأساس القوي الذي قامت عليه النظرية، حيث شملت أبحاثه الأطفال حديثي الولادة، وأطفال ما قبل المدرسة، وأطفال المدارس الابتدائية والراشدين.
- تكشف نظرية برونر في النمو المعرفي عن السبيل إلى اكتساب المعارف أو المهارات.
- تهتم نظرية برونر في النمو المعرفي بالنظريات التي تجعل الطفل مستعداً للتعلم وقادراً على أن يتعلم.
- تتميز نظرية برونر في النمو المعرفي ضرورة تنظيم البنية المعرفية، بمعنى تنظيم المعارف ليتلقاها المتعلم بسلاسة.
- تتسم نظرية برونر بالاهتمام بالثواب والعقاب والنجاح والفشل.
- ومن أهم ما يميز نظرية برونر في النمو المعرفي أنها تمنح المدرس وزناً كبيراً، إذ تعطيه مقاليد مدخلات التعليم ومخرجاته.
الانتقادات الموجهة إلى نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم
لم تسلم نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف من النقد، فمن العلماء من انتقد مبادئ النظرية أو أدواتها، ومنهم من انتقد استراتيجية التعلم بالاكتشاف، فكان على نهج أوزوبل الذي لا يرى أن التعلم بالاكتشاف لا يغني. وأن الهدف من العملية التعليمية هو إكساب الطفل المعارف اللازمة والتي ينبغي أن تنظم لتدخل بسلاسة إلى بنية الطفل المعرفية كما أوضحنا في مقال سابق. ومن الانتقادات الموجهة إلى نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف ما يلي:
- تركيز نظرية برونر في النمو المعرفي على العمليات مع إهمالها للنتائج.
- عدم صلاحية التعلم بالاكتشاف للأطفال أو المتعلمين الشادين المبتدئين في العلوم الجديدة؛ إذ لا بد من خطوط عريضة وقواعد أساسية تضبط العلوم وتنظم المعارف.
- بعض المواقف التعليمية تكون على قدر من الصعوبة، التي تشكل عائقاً أمام الطالب ليمارس الاكتشاف ويتعلم.
خاتمة
بالرغم من الانتقادات الموجهة إلى نظرية برونر في النمو المعرفي والتعلم بالاكتشاف، إلا أنها قدمت طريقة من أقوى طرق التعلم، وهي استراتيجية التعلم بالاكتشاف. والتي تساعد الطفل على ترجمة المعارف النظرية إلى تطبيقات عملية يمكنه الاستفادة منها في الواقع. فاستراتيجية التعلم بالاكتشاف وإن لم تنفع في بعض الأحيان أو المواقف التعليمية أو الأشخاص، إلا أنها تظل مثمرة وفعالة في العديد من الميادين الأخرى. الأمر الذي يجعل برونر واحداً من أهم علماء علم النفس المعرفي خلال القرن الأخير بما قدم من محاولة لفهم العقل البشري وآليات التعلم.
مراجع يمكن الرجوع إليها:
- الأشول، عادل عز الدين (2008) علم النفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة، مكتبة الأنجلو المصرية.
- جابر، جابر عبد الحميد (1999) سيكولوجية التعلم ونظريات التعليم، دار النهضة العربية للنشر والتوزيع.
- عبد المعطي، حسن مصطفى (2005) علم نفس النمو، دار قباء للنشر والتوزيع.